ثقافة الاستثمار في العراق: ضرورة اقتصادية ومستقبل واعد

ثقافة الاستثمار في العراق: ضرورة اقتصادية ومستقبل واعد
كتب رياض الفرطوسي
لطالما اعتمد الاقتصاد العراقي على النفط كمصدر رئيسي للرزق، مما أدى إلى إجماع اجتماعي وسياسي غير معلن بأن النفط هو المورد الوحيد للدخل في البلاد. هذا الاعتماد الكبير حال دون انتشار ثقافة الاستثمار بشكل واسع، رغم أن الاستثمار يمكن أن يكون مصدراً هاماً لتنويع الاقتصاد العراقي وتحقيق الاستدامة المالية.
أهمية الاستثمار كمصدر دخل بديل.
الاستثمار ليس مجرد خيار اقتصادي، بل هو ضرورة إستراتيجية يجب أن تكون جزءاً من رؤية العراق المستقبلية. وتكمن أهمية الاستثمار في قدرته على تحقيق النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتنويع مصادر الدخل الوطني، وتقليل الاعتماد على النفط، وهو ما أثبتت التجارب الاقتصادية الناجحة في العديد من الدول.
الشباب والاستثمار: مستقبل الاقتصاد العراقي.
يُشكل الشباب ما يقارب 60% من المجتمع العراقي، مما يجعلهم الفئة الأكثر قدرة على دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام من خلال المشاريع الاستثمارية. وقد قامت الدولة بدعم العديد من المبادرات التي تشجع الشباب على دخول عالم الاستثمار، من خلال تقديم التسهيلات التمويلية، وحاضنات الأعمال، والبرامج التدريبية لتعزيز مهاراتهم في ريادة الأعمال.
التحديات التي تعيق نشر ثقافة الاستثمار.
غياب الوعي الاستثماري: لا يزال الكثير من الشباب يعتقدون أن الاستثمار يتطلب رأسمال ضخم، في حين أن هناك العديد من الفرص التي يمكن استغلالها حتى برؤوس أموال صغيرة.
عدم وجود جهة مسؤولة عن نشر ثقافة الاستثمار: رغم وجود مبادرات فردية أو حكومية هنا وهناك، إلا أنه لا توجد مؤسسة مركزية تقود حملة توعوية مستمرة.
ضعف الإعلام الاقتصادي: تحتاج وسائل الإعلام إلى التركيز بشكل أكبر على الاستثمار، من خلال برامج توعوية ودورات تدريبية تشرح المفاهيم الأساسية وتقدم النماذج الناجحة.
تحديات في وصول الدعم إلى جميع الفئات: رغم أن الدولة أطلقت مبادرات لدعم استثمار الشباب، مثل مبادرة ريادة، إلا أن بعض الشباب لا يزالون يواجهون صعوبة في الوصول إلى هذه الفرص بسبب نقص التوجيه أو التعقيدات الإدارية.
تحديات سوق العمل: قد يُصاب المستثمرون الجدد بالإحباط بسبب التحديات التي تواجههم في البداية، مثل قلة الإقبال على المشاريع، أو الصعوبات الإدارية والتنظيمية.
الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في الاستثمار.
أصبح الذكاء الاصطناعي أداة قوية يمكن الاستفادة منها في مجال الاستثمار، حيث يسهم في تحليل البيانات المالية، وتوقع الاتجاهات المستقبلية للأسواق، وتقديم استشارات استثمارية ذكية. يمكن للشباب في العراق استغلال الذكاء الاصطناعي لتحسين قراراتهم الاستثمارية، سواء من خلال تطوير تطبيقات تحليل السوق، أو استخدام أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل المخاطر وتحديد الفرص المناسبة.
أهمية الإجماع الوطني على قضية الاستثمار.
لكي يحقق العراق نهضة اقتصادية حقيقية، لا بد من وجود إجماع وطني حول قضية الاستثمار، بحيث تتكاتف جهود الحكومة، والقطاع الخاص، والمؤسسات الأكاديمية، والإعلام لنشر ثقافة الاستثمار ودعم المشاريع الناشئة. يجب أن يكون هناك تعاون مستمر بين الجهات المختلفة لتوفير بيئة استثمارية جاذبة، تتميز بالاستقرار التشريعي، وتقديم الحوافز اللازمة للمستثمرين. إن تحقيق هذا الإجماع سيساهم في خلق بيئة اقتصادية أكثر تنافسية واستدامة، مما يعود بالنفع على جميع شرائح المجتمع.
الخطوات المطلوبة لنشر ثقافة الاستثمار.
إطلاق حملات توعية وطنية: يجب أن تتضافر جهود الجهات الحكومية والإعلامية والجمعيات الأهلية لنشر الوعي الاستثماري بين الشباب.
إدراج مناهج دراسية عن الاستثمار: من الضروري أن تحتوي المناهج التعليمية على دروس عن أساسيات ريادة الأعمال وإدارة المشاريع.
توفير برامج تدريبية ودورات حضورية وعن بعد: هذه الدورات يجب أن تكون متاحة للشباب لتعليمهم كيفية التخطيط للمشاريع وإدارتها بفعالية.
تحفيز الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة: عبر تقديم قروض ميسرة وإعفاءات ضريبية، مما يساعد الشباب على بدء مشاريعهم بثقة.
إطلاق منصات إلكترونية لدعم رواد الأعمال: يمكن أن تكون هذه المنصات بمثابة مراكز افتراضية للاستشارات والدعم الفني والإداري للمستثمرين الجدد.
يُعد نشر ثقافة الاستثمار في العراق أحد المفاتيح الرئيسية لتحقيق اقتصاد أكثر استقرارًا واستدامة. إن تشجيع الشباب على دخول عالم الاستثمار وتوفير البيئة المناسبة لهم سيساهم في تقليل البطالة، وزيادة الإنتاج المحلي، ودعم مسيرة التنمية الاقتصادية. ومن هنا، فإن الدور الحكومي والمجتمعي والإعلامي يجب أن يكون أكثر فاعلية في بناء منظومة استثمارية متكاملة، تؤدي في النهاية إلى عراق مزدهر ومتطور يعتمد على طاقاته وإمكاناته المتنوعة، وليس فقط على النفط.