ولاية الأمة في فلسفة الشهيد محمد باقر الصدر


رسول حسين
تُعَدّ نظرية “ولاية الأمة على نفسها” من أبرز المفاهيم السياسية التي طرحها الشهيد آية الله العظمى محمد باقر الصدر، وهي تمثل نموذجًا فريدًا يجمع بين القيم الإسلامية والمفاهيم الديمقراطية. وقد شكّلت هذه النظرية جزءًا محوريًا من مشروعه الفكري، حيث سعى الصدر إلى إيجاد صيغة متوازنة تضمن للأمة حقها في إدارة شؤونها مع الحفاظ على المبادئ الإسلامية.
انبثقت رؤية الشهيد الصدر من قراءته العميقة للفقه الإسلامي وتفاعله مع التحديات السياسية والاجتماعية في العالم الإسلامي. وقد حاول من خلال نظريته تجاوز الإشكاليات التقليدية التي طرحتها بعض النظريات السياسية الإسلامية، مثل “ولاية الفقيه المطلقة”، حيث رأى أن للأمة دورًا أساسيًا في ممارسة السلطة وتحديد مسار الحكم.
في كتابه “الإسلام يقود الحياة”، أكد الصدر أن الولاية السياسية ليست حكرًا على فرد أو فئة معينة، بل هي مسؤولية جماعية للأمة تمارسها عبر مؤسسات شرعية، مع احتفاظ الفقيه الجامع للشرائط بدور الرقيب والموجّه ضمن أطر محددة.
أسس نظرية ولاية الأمة
1. سيادة الأمة وحقها في اختيار الحاكم:
يؤمن الصدر بأن الأمة هي مصدر الشرعية السياسية، وأن لها الحق في اختيار قادتها وفق آليات تحقق العدالة وتحفظ المبادئ الإسلامية.
2. دور الفقيه في الإشراف:
لا يتخلى الفقيه عن دوره في النظام السياسي، بل يمارس وظيفة “الرقابة الشرعية” للتأكد من انسجام القرارات السياسية مع الشريعة الإسلامية، دون أن يتحول إلى سلطة مطلقة.
3. التوازن بين الشورى والولاية:
تقوم النظرية على الدمج بين مبدأ الشورى الإسلامي وبين أشكال الديمقراطية الحديثة، مما يجعل الأمة شريكًا فعليًا في الحكم من خلال مؤسسات منتخبة، بينما يظل للفقيه دور الحارس على القيم الدينية.
4. العدالة الاجتماعية ورفض الاستبداد:
شدد الصدر على أن أي نظام سياسي إسلامي يجب أن يسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية، وأن يُمنع منعا باتا احتكار السلطة أو ممارسة الاستبداد باسم الدين.
تميّز رؤية الصدر عن ولاية الفقيه المطلقة
على عكس نظرية “ولاية الفقيه المطلقة”، التي تضع السلطة بيد فقيه واحد يتمتع بصلاحيات واسعة، رأى الصدر أن الأمة شريكة في إدارة الدولة. وهذا ما يجعله أقرب إلى مفهوم الدولة الدستورية الحديثة، ولكن بمرجعية إسلامية تحكم المبادئ الأساسية.
أثر نظرية ولاية الأمة في الفكر السياسي الإسلامي
رغم اغتياله عام 1980، إلا أن فكر الصدر ظل مؤثرًا في الحركات الإسلامية والسياسية. وقد شكلت نظريته مصدر إلهام لمحاولات تجديدية في الفكر الإسلامي، خاصة فيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة، وإيجاد نموذج يزاوج بين القيم الإسلامية ومبادئ الديمقراطية الحديثة.
تمثل ولاية الأمة في فلسفة الشهيد محمد باقر الصدر مشروعًا فكريًا متقدمًا يهدف إلى بناء دولة تحترم الشريعة الإسلامية مع منح الأمة الحق في تقرير مصيرها. إنها نظرية تتجاوز الثنائيات التقليدية بين الدين والديمقراطية، وتفتح أفقًا جديدًا لفهم العلاقة بين الحاكم والمحكوم في إطار إسلامي حديث.