صحوة العقول: الطريق إلى النهضة


صحوة العقول: الطريق إلى النهضة
كتب رياض الفرطوسي
في رحاب التاريخ، حيث تتكاثف طبقات الفكر كالرسوبيات الجيولوجية التي تشكل تضاريس العصور، تبرز لحظات فارقة تسعى إلى تحرير الإنسان من أغلال الجهل والخوف. منذ أن أضاء سبينوزا شعلة العقل قبل قرون، وحتى عصرنا الحاضر، لم تتوقف محاولات الفلاسفة والمفكرين عن فتح أبواب الوعي والتحرر. ومع ذلك، ما زلنا نعيش على هامش الحضارة، نتساءل: لماذا تأخرنا؟ ولماذا لم ننطلق بعد نحو آفاق النهضة؟ . تحرير العقل ليس حدثاً عابراً، بل هو رحلة طويلة تتطلب تربة خصبة تُنبت الأفكار، وفضاءً يُشجع على التساؤل والنقد. العقل المُستَلب، الذي يخضع لسطوة القوى المسيطرة، لا يستطيع أن يتحرر إلا بتحطيم قيوده. وهذه القيود ليست مادية فحسب، بل هي شبكة معقدة من العادات البالية، والخوف من التغيير، والاعتقاد بأن الحلول تأتي من الخارج، لا من داخلنا . لقد تحول الوطن في عيون الكثيرين إلى ساحة صراع من أجل البقاء، بدل أن يكون واحة تُغذي العقول، أو منارة تُضيء طريق الأجيال نحو الإبداع والتفكير الحر. كيف يمكن لعقلٍ أن يتحرر وهو منشغلٌ بملاحقة لقمة العيش؟ كيف يُنتج مجتمعٌ يُربّي أبناءه على الخوف والتبعية، بدل أن يزرع فيهم بذور الأمل والاستقلالية؟ . ما نحتاجه اليوم هو زلزال معرفي يهز أركان التخلف، ونقد جذري للأسس التي حكمتنا لعقود طويلة. لا يمكن للعقل أن يتحرر في ظل أنظمةٍ تُعامله كترسٍ في آلة، أو في مجتمعاتٍ تُقدّس التبعية وتُحرم التفكير الحر. نحتاج إلى مدارس تُعلّم الطلاب كيف يفكرون، لا كيف يحفظون، وإلى إعلامٍ يُثري العقول بدل أن يُكرّس التلقين والجمود . أخطر أنواع السجون ليست تلك التي تُبنى بالأسمنت والحديد، بل تلك التي تُشيَّد داخل العقول. سجن الأفكار الذي يجعل الفرد أسيراً لنمط تفكيرٍ واحد، يعيش غريباً عن ذاته، مُتنازلًا عن حقه في الاختيار، مُسلِّماً مصيره لقوى خارجية تتحكم في مساره. في هذا السياق، يصبح الانتماء إلى عقلية القطيع هو السبيل الوحيد للبقاء، حتى لو كان الثمن هو فقدان الهوية الفردية . إذا أردنا أن نصحو من سباتنا، فعلينا أن نبدأ بمواجهة أنفسنا. علينا أن نتوقف عن انتظار معجزة تأتي من السماء، وأن ندرك أن النهضة ليست سلعة تُستورد، بل هي نتاج تراكمي للوعي والعمل الدؤوب. نحتاج إلى إعادة تعريف علاقتنا بالمعرفة، وإلى أن نغرس في الأجيال القادمة حب الاستكشاف بدل الخوف من المجهول . لا يمكن لنا أن نلحق بركب الحضارة ما لم ندرك أن العقل الحر هو أعظم كنز يمتلكه الإنسان، وأن تحريره هو الخطوة الأولى نحو بناء مستقبلٍ أفضل. فهل حان الوقت لكي نكسر قيودنا، ونفتح أعيننا على آفاقٍ جديدة، ونخطو بثقة نحو طريق النهضة؟ الجواب يكمن في قرارنا الجماعي بأن نتحرر من سجون الذهن، ونصنع مصيرنا بأيدينا .