آخر الأخبار
ألمقالات

إعجابٌ أم استعباد؟ الوجه الخفي لزر اللايك

كتب رياض الفرطوسي
في عالمٍ رقميٍّ يتسع لكل الأصوات، بات زر الإعجاب سلاحاً خفيّاً، يوزّع الشعور بالأهمية كما لو أنه هبةٌ مقدّسة، لكنه في جوهره مصيدةٌ ناعمةٌ تُعيد تشكيل العقول والذوات، وتفرض نظاماً اجتماعياً جديداً تُمحى فيه الحدود بين الإبداع والابتذال، وبين العميق والسطحي، وبين الوعي والانسياق الأعمى إنها معادلةٌ غريبة، حيث يتساوى الكاتب المرهف وصاحب الفكرة العميقة مع العابر الباحث عن لحظة انتباهٍ زائلة، حيث تُختزل القيمة في عدد الإعجابات، لا في جوهر ما يُطرح. ووسط هذا الضجيج، يتوارى صوت الفكر لصالح الاستعراض، وتتراجع الثقافة أمام إغراء التصفيق الرقميّ تشير الأبحاث الحديثة إلى أن زر الإعجاب لا يكتفي بإطلاق دفقة من الدوبامين في الدماغ، بل يعيد برمجة النفس البشرية، حتى يصبح هذا التحفيز السريع نوعاً من الإدمان. وهكذا، يتحول الإنسان إلى كائنٍ يلهث وراء التفاعل، عاجزٍ عن استخلاص قيمته من ذاته، بل منتظراً انعكاسها في عيون الآخرين والأخطر من ذلك، أن البعض لا يكتفي بجمهورٍ عابرٍ في الفضاء العام، بل ينشئ عوالمه المغلقة، حيث تجري عمليات استغلال عاطفيٍّ وتلاعبٍ نفسيٍّ في غرفٍ بلا نوافذ، تُصنع فيها العلاقات على مهلٍ، وتُستهلك بنفس السرعة التي نشأت بها. هناك، لا يبحث الإنسان عن الحب أو المودة الصادقة، بل عن وقودٍ يُبقي جذوة الأهمية مشتعلةً، حتى لو كان الثمن هو خداع النفس وخداع الآخرين ومع الوقت، يدور الجميع في حلقةٍ مفرغة، حيث يلاحق العاجزون عن تحقيق ذواتهم في الواقع سراب الاهتمام، بينما يكرّس المجتمع الرقمي أنماطاً زائفةً من التقدير. لكن الحقيقة تبقى أن الإعجاب الافتراضي، مهما بدا صاخباً، لا يعوّض عن فراغ الداخل، ولا يخلق جوهراً لمن يفتقر إليه ربما كان على الإنسان أن يعيد النظر في قيمته، لا بوصفها انعكاساً لعدد الإعجابات التي يتلقاها، بل كحقيقةٍ مستقلةٍ لا تحتاج إلى تصفيقٍ لحظة، ولا تخشى الصمت الطويل.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
أفتح الدردشة
اهلا بك في وكالة الراصد نيوز24
كيف يمكنني مساعدتك؟