حكايات من مصر الشيخ زكريا


عام 1940 مرضت زوجة الشيخ – الموسيقار – زكريا أحمد ولزمت الفراش لمدة أسبوعين، فقرر أن يجلس بجوارها حتى يتم لها الشفاء.. وكان الأهل والأصدقاء والزملاء كلما زاروه يقولون له: “طيب وشغلك يا شيخ زكريا”؟
يرد:” طيب وهانم ( كان هذا اسمها) ينفع أسيبها لوحدها فى شدة المرض؟” ثم يرد على نفسه وعليهم بالطبع:
” طبعاً ..لا يصح ولا يجوز”. وظل بالفعل بجوارها حتى تم لها الشفاء.. لأنه كان يخاف منها.. وهو الرجل العنيد، والشديد، والمعتز دائماً بقوله، ورأيه، وفكره،( يُذكر أنه وقف ذات مرة وتحدى أربع صحف كبري كانت تهاجمه ولكنه لم يتراجع عن رأيه) لكنه أمام زوجته كان يتراجع، ويغير من رأيه، ويعدل من قوله، إذا تعلق الأمر بأي شأن خاص بالأسرة أو حتى بعمله. ولم يكن ذلك خوفاً منها لكنه – كما قال – حباَ فيها حيث دام زواجه منها – دون أن يعكر صفوه أى شىء – 40 عاماَ فى سعادة وانسجام وود وغرام.
ذلك الغرام والحب والاحترام الذى جعله يجلس بجوارها 14 يوماً يعالجها ويغنى لها ويداعبها حتى تم لها الشفاء. •••
بعد أيام المرض ترك البيت، وسحب عوده، وتحرك لمتابعة أعماله حيث كان مرتبطاً بمجموعة من الآلاتية لتجهيز لحن جديد ..فى الطريق وجد بائعة فجل ( كانت قروية قادمة من قرى الدلتا شمال مصر ) تجلس وأمامها “مشنة” (هى وعاء من الخوص أو من أعواد الشجر يُضع فيه الخبز ونحوه) وبها (فجل).
وقف أمامها الشيخ زكريا وتحدث إليها وعرف منها أنها زوجة جاءت لتبيع الفجل لتعود إلى زوجها المريض بالعلاج.
— سألها وهو يقف أمامها:” بتحبيه يا عفاف( كان هذا اسمها)”؟
— ردت:” ده رجلى وأبو عيالي..أبيع عليه هدومى يا سي الأفندى( لم تتعرف على شخصيته حينذاك) ضحك الشيخ زكريا ( اليوم ذكري رحيله) وجلس على الأرض بجوارها وبدأ يعد ( حزم الفجل) ثم دفع لها كل ما جيبه وتركها تعود لزوجها وعاد هو لبيته يحمل العود والفجل. •••
— سألته الزوجة:
” إيه ده يا شيخ زكريا”! وقبل أن يجيب قالت:
” هدومك كلها بقت طين يا راجل” ضحك وهو يضع بجوارها العود ( والفجل طبعاً) ثم قال لها:
” الحب الذى جعلنى أجلس بجوارك وأنت مريضة هو نفسه الذى جعلنى فى الحالة التى عليها الآن” ردت الزوجة:” تقصد إيه.. أنت حبيت غيرى يا سي زكريا”؟
رد:” هو أنا أقدر برضه( قالها وهو يضحك) ثم حكي لها عن الفلاحة التى جاءت من قرية نائية لتبيع الفجل من أجل دواء زوجها المريض وأن هذا جعله – تعاطفاً معها – يشتري منها الفجل كله ويعطيها كل ما فى جيبه حباً ومساعدة، فى حبها وإخلاصها لزوجها”.
ابتسمت الزوجة وقالت:
” طيب اخلع بقى هدومك اغسلها..وهات الفجل ده نوزعه على أهل الحتة”…وقد كان! •••
الفنان الحقيقي…والموهوب الحقيقي..والمبدع الحقيقي.. هو – بطبيعة الحال- إنسان حقيقي..
…. و.. و…”يا صلاة الزين..على الحلوين”..و يا صلاة الزين على الشيخ زكريا أحمد، وحبه، ولحنه، وزمنه، وأيامه، وناسه( الحلوه).
خيري حسن
————–
•• الأحداث حقيقية .. والسيناريو من خيال الكاتب.
•• المصدر:
كتاب:” زكريا أحمد – صبري أبو المجد – طبعة أعلام العرب – طبعة مكتبة مصر – 1963
الصورة:
الشيخ زكريا أحمد