الأوهام الملهمة


كتب رياض الفرطوسي
لو كنا نرى الحقيقة كما هي، مجردةً من كل زينة، هل كنا سنجرؤ على العيش؟ ربما لا. فالحياة، في جوهرها، ليست سوى مزيج من الحقيقة والوهم، وكل منا يختار النسبة التي تجعله قادراً على الاستمرار. حين يقف الإنسان أمام المرآة ويرى نفسه أجمل مما هو عليه، أو حين يؤمن بأنه أكثر ذكاءً مما تثبته الحقائق، فإنه لا يخدع نفسه عبثاً، بل يمنحها قوة خفية تدفعه للأمام. هذه الأوهام الصغيرة، التي قد تبدو للبعض زيفاً، هي في حقيقتها مصدر إلهام، تمنح الإنسان الشجاعة ليحلم، ليحاول، وليتجاوز إحباطات الواقع. التفاؤل نفسه ليس إلا وهماً، لكنه وهم ضروري. كيف يمكن لإنسان أن ينهض كل صباح ويواجه الحياة دون أن يصدق، ولو قليلًا، أن الغد سيكون أفضل؟ هذا الاعتقاد ليس قائماً على منطق صارم، بل على حاجة نفسية ملحّة؛ فالذي يرى الأمل في الأفق، حتى لو كان سراباً، يواصل السير، بينما يتجمد من يرى الظلام وحده. أما المديح، فهو الآخر نوع من الأوهام الملهمة. حين يقال لشخص إنه مبدع، حتى لو لم يكن كذلك تماماً، فإن تلك الكلمات تدفعه ليصبح أفضل، كأنها تُلقي به في طريق النجاح دون أن يدري. ليست كل الكلمات الصادقة مفيدة، وليست كل الأكاذيب ضارة؛ فبعض المجاملات تصنع معجزات، وبعض الحقائق تقتل الأحلام. لكن، متى يتحول الوهم من مصدر إلهام إلى فخ يبتلع صاحبه؟ حين يصبح الإنسان أسير صورته الزائفة، غير قادر على رؤية واقعه أو تطوير نفسه. الوهم الملهم هو ذلك الذي يدفعك للأمام، لا ذاك الذي يعلقك في دائرة من الأوهام المريحة دون أي تغيير. في النهاية، نحن لا نعيش بالحقيقة وحدها، ولا نتحرك بالوهم وحده. نحن مزيج من كليهما، ننتقي من الأوهام ما يجعلنا ننجو، ونواجه من الحقائق ما يجعلنا نتطور. فربما لم يكن الوهم عيباً كما نظن، بل سرًا صغيراً يجعل الحياة أكثر احتمالًا، وأكثر إلهاماً.