الرؤية القرآنية لبكاء الامام السجاد ( ع ) على ابيه الحسين ( ع )


🔸️ *الرؤية القرآنية لبكاء الامام السجاد ( ع ) على ابيه الحسين ( ع )* 🔸️
🖋 *الشيخ محمد الربيعي*
الإمام زين العابدين ( ع ) اشتهر بالبكاء على أبيه الامام الحسين ( ع ) ، يوميًا يبكي على أبيه، بكاء الإمام زين العابدين نوعان: بكاء انفعالي وبكاء فعلي، أما البكاء الانفعالي فهو بكاء طبيعي، كل إنسان يبكي إذا قرأ مصيبة الحسين ( ع ) ، فكيف بمن عاش المصيبة وعاصر الحدث ورأى الفاجعة؟! من الطبيعي أن يبكي، ومن غير الطبيعي ألا يبكي، لو لم يبكِ لما كان طبيعيًا، فالبكاء الانفعالي حالة إنسانية فطرية يثاب عليها الإنسان،
كما يقول الشاعر:
تبكيك عيني لا لأجل مثوبة لكنما عيني لأجلك باكية
وأما البكاء الفعلي فهو البكاء الهادف، بكاء زين العابدين له فلسفة ورؤية، بكاء زين العابدين عملية واعية يمارسها الإمام من أجل تحقيق أهداف عليا لاحقا نتعرض لها …
السؤال المهم هل حالة البكاء التي لازمة الامام السجاد ( ع ) ، حزنا على ابيها الامام الحسين ( ع ) حالة ايجابية ام حالة سلبية سلبية من الناحية الانعكاسية على ذاته بغض النظر على الايجابيات او السلبيات على ذات الثورة ، او لنعد صياغة الاستفسار باتجاه اخر ونقول : القرآن الكريم يرى الحزن حالة مرضية عائقة أمام الإنتاج والإبداع؟ حتى نقول: الفكرة الإمام السجاد ( عو) ترسخ ظاهرة مرضية، وهي الحزن والأسى، وهي تتنافى مع القرآن الكريم!
نأتي للقرآن الكريم، القرآن يرشدنا إلى كيفية قراءة الحياة الدنيا، كيف نقرأ حياتنا؟ أنت لا زلت شابًا مقبلًا على الحياة، لكن لا بد من أن تقرأ الحياة، قراءة الحياة على نوعين: قراءة عاجلة وقراءة واعية. القراءة العاجلة هي أن تنظر إلى الحياة أنها دار استقرار، نحن جالسون مستقرون! إذا نظرت للحياة أنها دار استقرار فهذه قراءة عاجلة، وأما القراءة الثانية فهي القراءة الواعية، وهي أن تنظر إلى الحياة على أنها رحلة استثمار، ففرق بين دار الاستقرار وبين رحلة الاستثمار، القرآن يصنِّف قراءة الحياة إلى هذين الصنفين.
القراءة الأولى: القراءة العاجلة
هناك من قرأ الحياة أنها دار استقرار، ونتيجة هذه القراءة عدّة مظاهر مرضية: المظهر الأول: الهلع، ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا﴾ [المعارج: 19 – 21]، لأنه حريص على الحياة، يراها دار استقرار، فيبخل حال القدرة ويجزع حال العجز. المظهر الثاني: الغرور، ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار: 6 – 8]، ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185]. المظهر الثالث: الطغيان، ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق: 6 – 7]، رأى نفسه غنيًا، رأى الحياة دار استقرار.
من قرأ الإنسان قراءة عاجلة رآها دار استقرار، ومن رآها دار استقرار صار مصداقًا لهذه الآية: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الحديد: 20]، هذه هي القراءة العاجلة، والعلامة الفارقة للذين يقرؤون الحياة قراءة عاجلة هي الضحك الكثير، يعيش حالة استرخاء، فرحان، لأنه متشبث بالدنيا، بزخارفها، بمفاتنها، ضحك كثير.
القراءة الثانية: القراءة الواعية
وهي القراءة التي ترى الدنيا رحلة استثمار وليست دار استقرار، هؤلاء الذين قرؤوا الدنيا رحلة استثمار يقول عنهم القرآن الكريم: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 1 – 3]، هؤلاء قرؤوا الحياة قراءة واعية، هؤلاء قرؤوا الحياة أنها رحلة استثمار، لا تمر عليهم دقيقة إلا وهي في استثمار، ولأجل ذلك يقول الإمام أمير المؤمنين عن الحياة: ”الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار موعظة لمن اتّعظ بها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزوّد فيها، مسجد أحبّاء الله، مصلّى ملائكة الله، مهبط وحي الله، متجر أولياء الله، اكتسبوا فيها الرحمة، ورحموا منها الجنّة“، هي رحلة استثمار، والعلامة الفارقة لهؤلاء الذين قرؤوا الحياة قراءة واعية ونظروا إليها أنها رحلة استثمار هي البكاء الكثير، فالقرآن بالعكس، القرآن يقول: الضحك الكثير علامة فارقة لمن افتتن بالدنيا، والبكاء الكثير علامة فارقة لمن قرأ الدنيا قراءة واعية واستثمرها.
ولذلك عندما نقرأ الآية المباركة: ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [التوبة: 81 – 82]، بعض المفسّرين قال: الآية تهديد في صورة الأمر، يعني فليضحكوا قليلًا في الدنيا وليبكوا كثيرًا في الآخرة نتيجة العذاب، ولكن بعض المفسّرين يقول: هذه الآية تخبر عن طبيعة الإنسان، الإنسان المستغرق في الدنيا هو الذي يضحك كثيرًا، والإنسان الذي استثمر الدنيا هو الذي يبكي كثيرًا، يقول القرآن الكريم: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: 76]، ولم يقل: لا يحب الباكين! ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 77]، إذن ما يرسّخه فكر الإمام السجاد ( ع ) – وهو الشخصية الباكية – ينسجم مع الرؤية القرآنية، لا أنه يصطدم معها.
اللهم احفظ الاسلام والمسلمين
اللهم احفظ العراق و شعبه