آخر الأخبار
ألمقالات

مبادرة ريادة.. حين يصبح العراق وطناً للمبدعين

كتب رياض الفرطوسي
لدى كل شابٍ عراقيّ حلمٌ يكبر معه، يكبر مع نبضات قلبه وهو يسير في شوارع مدينته، يتأمل وجوه الناس، يراقب الحياة التي تتغير من حوله، ويحلم بيومٍ يكون فيه صانعاً للتغيير، وليس مجرد شاهد عليه. لكن الأحلام، كما الطيور، تحتاج إلى أجنحة قوية لتحلق، وتحتاج إلى أرضٍ صلبة تقف عليها قبل أن تبدأ رحلتها في الفضاء. من هنا، جاءت مبادرة “ريادة”، التي اطلقها دولة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ليست مجرد مبادرة حكومية، بل رسالة إلى كل شابٍ وشابة، بأن الأبواب لم تُغلق، وأن الفرص لا تزال ممكنة، فقط لمن يؤمن بأن النجاح ليس صدفة، بل طريقٌ طويل يبدأ بخطوة واحدة، بخطوة شجاعة نحو المستقبل. في زوايا البيوت العراقية، بين الشوارع التي تمتزج فيها أصوات الباعة مع ضحكات الأطفال، وبين قاعات الجامعات التي تمتد فيها الطموحات كضوء الفجر، هناك من يحمل فكرة، لكن لا يجد لها مخرجاً إلى النور. هناك من يمتلك مهارة، لكنه يخشى أن يغامر بها. هناك من تعب من البحث عن وظيفة، دون أن يدرك أن الوظيفة قد تكون بانتظاره في مكانٍ لم يخطر بباله: في مشروعه الخاص، في إبداعه الشخصي، في شغفه الذي ربما ظنه مجرد هواية. مبادرة “ريادة” ليست مجرد دعمٍ مالي، بل نافذةٌ تُفتح على المستقبل، على إمكانية أن يصبح الشاب رب عمل لا مجرد موظف، أن يتحول من باحث عن فرصة إلى صانعٍ لها، أن يكون حجراً في بناء اقتصاد وطني قائم على العقول المبدعة، لا على الوظائف التقليدية وحدها. ليس المال وحده ما يخلق النجاح، بل المعرفة والمهارة. لهذا، لم تقتصر مبادرة “ريادة” على تقديم القروض، بل امتدت إلى التدريب، إلى التأهيل، إلى مدّ الجسور بين الحالمين وبين من يمكنهم أن يأخذوا بأيديهم. منصة ريادة الإلكترونية ليست مجرد واجهة رقمية، بل ساحةٌ للقاء الأفكار، ومكانٌ لصقل المواهب، ومختبرٌ لاختبار المشاريع قبل أن تنطلق إلى العالم. أما التعاون مع تطبيق “سهلة”، فهو ليس مجرد شراكة بين مبادرتين، بل لقاءٌ بين الطموح والتكنولوجيا، بين من يمتلك المهارة وبين من يحتاجها، بين من يريد أن يعمل بحرية وبين من يبحث عن خدمات بجودة وإبداع. إنها خطوةٌ تجعل من العراق بيئةً أكثر انفتاحاً على العمل الحر، والاقتصاد الرقمي، والفرص غير التقليدية. وحين نتحدث عن العمل، لا يمكن أن ننسى النساء اللواتي يقفن خلف الأبواب المغلقة، يحملن أحلامهن بين أصابعهن، في مهارات الخياطة، في الطهو، في الحرف اليدوية، في فنونٍ توارثنها عن الأمهات والجدات. “مشروع ربات البيوت” ليس مجرد مبادرة اقتصادية، بل يدٌ ممدودة لكل امرأة تريد أن تحول موهبتها إلى مصدر رزق، أن تتحرر من فكرة أن العمل يجب أن يكون خارج البيت، أن تدرك أن النجاح قد يبدأ من داخل جدران منزلها، لكنه لا يتوقف هناك. إنها فرصةٌ للنساء ليصبحن جزءاً من الحركة الاقتصادية، ليكنّ صاحبات مشاريع صغيرة تكبر مع الأيام، ولتكن لهن بصمةٌ واضحة في مجتمعٍ يحتاج إلى طاقاتهن وإبداعهن بقدر ما يحتاج إلى إرادة الرجال. ليست “ريادة” مجرد مشروع عابر، بل بدايةٌ لمرحلةٍ جديدة في العراق، مرحلةٍ تقول للشباب: أنتم المستقبل، أنتم القوة، أنتم القادرون على تغيير واقعكم إن آمنتم بأنفسكم، إن كففتم عن انتظار الفرص، وبدأتم بصناعتها بأنفسكم. إنها دعوةٌ لكل من يحمل فكرة، لكل من يمتلك مهارة، لكل من ضاق به الأفق، ليعيد التفكير، ليحلم من جديد، ولكن هذه المرة لا ليكتفي بالحلم، بل ليجعله مشروعاً، ومهنة، ومستقبلًا حقيقياً. لأن الريادة ليست مجرد كلمة، بل طريقة تفكير، ومنهج حياة، وشجاعة في اتخاذ القرار. لا شيء ينهض بالأوطان كما تفعل العقول المبتكرة، ولا شيء يبني المجتمعات كما تفعل الأيادي العاملة، وحين يجتمع الإبداع مع العمل، يولد الاقتصاد الحقيقي، وتبدأ النهضة الحقيقية
ربما اليوم، لا تزال “ريادة” في بدايتها، لكنها كالبذرة التي زُرعت في تربة الحلم، وسقيت بأمل الشباب، وغُذيت بإرادة دولة تؤمن بأن الاستثمار في العقول هو الاستثمار الوحيد الذي لا يخسر أبداً. وغداً، سنرى ثمارها في كل زاوية، في كل مشروع صغير يتحول إلى كبير، في كل فكرة كانت مجرد خيال وأصبحت واقعاً، في كل شاب كان عاطلًا عن العمل وأصبح رائد أعمال ناجحاً لأن الريادة ليست خياراً، بل ضرورة، والمستقبل ملكٌ لمن يجرؤ على صناعته بيديه.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
أفتح الدردشة
اهلا بك في وكالة الراصد نيوز24
كيف يمكنني مساعدتك؟