آخر الأخبار
ألمقالات

شهر رمضان مشروعا للتغيير

● *الشيخ محمد الربيعي*
ان عملية التغيير عملية منسجمة مع فطرة الإنسان، منسجمة مع حقيقة شخصية الإنسان في أن شخصية الإنسان شخصية تغييرية، تهوى التغيير، تريد التغيير، تتوق إلى التغيير. من أجل ذلك إذا جاء شهر رمضان تاقت نفس الإنسان إلى أن تتغير، أريد أن أقول: أنا لا أريد أن استمر في شهر رمضان مثل باقي الشهور، لا أريد أن يكون برنامجي ومشروعي في شهر رمضان كمشروعي في بقية الشهور، إذن ما هي ميزة شهر رمضان على غيره من الشهور؟ أنا أريد تغييراً، أنا أريد أن يتحول شهر رمضان إلى عملية تغييرية في حياتي لأن فطرتي تلحّ عليّ في التغيير، وتقودني إلى التغيير، فما هي عملية التغيير التي أركّز عليها واتطلع إليها من خلال شهر رمضان المبارك؟
هناك الكثير منا مع الأسف نتيجة الثقافة الإعلامية التي نتلقّها – نحن من أين نأخذ ثقافتنا؟ نأخذها من القنوات، ومن النت، ومن وسائل الاتصال. هذه الروافد تتحدث لنا عن شهر رمضان لكن بشكل آخر، رمضان شهر المسلسلات والأفلام، – وترى بعضهم: الوقت الفلاني وقت المسلسل فلا يفرّط به، هذا وقت مشاهدة المسلسل، فمهما حصلت من واجبات أخرى فدعها على جانب، فلا يرفع يده عن المسلسل – شهر المسلسلات، شهر السهر مع الأصدقاء في الأماكن العامة، في الأماكن الخاصة، شهر الرياضة ولعب الكرة، شهر الأسواق: تُعرض فيه البضائع المختلفة بأسعار مختلفة، وتتحول الأسواق في ليلها إلى نهار. إذن بالنسبة إلى المرأة شهر السوق، وبالنسبة لهذا الرجل شهر المسلسل والرياضة والأنس والسهر مع الأصدقاء.
عملية التغيير التي نكتسبها من خلال وسائل الإعلام التي نسترفد منها ثقافتنا ومعلوماتنا تحدّث وتصوّر لنا أن عملية التغيير هي عملية نفسية محضة، هي عملية ترفية محضة، فشهر رمضان شهرٌ لإمتاع النفس، وتسليتها، والترفيه عنها، شهر رمضان موسم مِتعة، وترفيه، وترف. هكذا ننظر إلى عملية التغيير.
كلنا يريد أن يتغيّر في شهر رمضان، ويصبح إنساناً صالحاً في هذا الشهر، فهذا الشهر ثلاثون يوماً أو تسعاً وعشرون يوماً لا ساعة ولا ساعتين، كل يوم أربع وعشرون ساعة، وقت طويل جداً، هذا الوقت كيف تقضيه في عملية التغيير؟
ولكن الحق أن عملية التغيير يجب أن تكون عملية روحية وليست عملية نفسية، عملية تقتلع براثن الفساد والانحراف من النفس، عملية تقتلع الأمراض الروحية من صميم القلب، لا بد أن ننظر إلى رمضان إلى أنه عملية تغيير إيجابية. كيف؟
نحن الخاسرون إذا أصررنا على العملية النفسية، نحن الخاسرون، فالوقت لا ينتظرنا، الوقت ماضي، كم قطعنا نحن في حياتنا؟ هناك من قطع خمسين مرة شهر رمضان، وهناك من قطع ثلاثين مرة شهر رمضان، وهناك من قطع عشرين مرة، كلٌ بحسب عمره. أنت الذي قطعت ثلاثين شهر رمضان هل أنتجت ثلاثين مشروعاً؟ أنا قطعت في عمري أربعين شهر رمضان، هل أنتجت من خلالها أربعين مشروعاً؟ هل أنتجت من خلالها مشروعاً تربوياً واحد؟ أو لا، فإذا أتحدث عن شهر رمضان سأقول: شاهدت ثلاثين مسلسلاً بعدد ثلاثين رمضان، أو سافرت ثلاثين سفرة بعدد ثلاثين رمضان، هذا رمضان بالنسبة لي.
يا إخوان الحياة ماضية، والقبر هو الذي ينتظرنا، ليجعل الإنسان دائماً في ذهنه القبر، هذا بيتك، بيتي هو القبر، ليس بيتي هو الوسادة الناعمة التي أنام عليها مع زوجتي، لا، هذا كله مؤقت، ليس بيتي هو هذه المقاعد الحريرية الناعمة التي أتكئ عليها، هذا كلّه مؤقت، بيتي الحقيقي هو قبري الذي ينتظرني.
ألا إنما الإنسان ضيف بأهله – أنت ضيف، أنا ضيف بين اولادي، وقت معيّن وأرحل –
ألا إنما الإنسان ضيف بأهله يقيم زماناً بينهم ثم يرحل
إذن عملية التغيير يجب أن تكون ممهدة للبيت الحقيقي، انظر بعض شبابنا الذي يبني بيتاً، ما أكثر تعبه، يظل سنتين أو ثلاثاً مع العمّال ومع المقاول رايح جاي. تسأله: ما بالك تركت واجباتك الروحية والاجتماعية لماذا؟ [يجيبك:] لأني مشغول بالبناء، أريد أن أبني بيتاً جديداً ممتعاً مرفّهاً مريحاً، فلذلك طول وقتي أنا مشغول بالبناء. فليكن عُشر من وقتك مشغول ببناء ذلك البيت، البيت الحقيقي، القبر، هل نحن مشغولون بذلك؟ هل نصرف في اليوم ساعة واحدة في بناء البيت الجديد ألا وهو القبر؟ هل نصرف ساعة واحدة في كل يوم في تمهيد الوسادة المريحة التي سننام عليها في ذلك البيت الجديد، ألا وهو القبر؟ ”وارحم في ذلك البيت الجديد – زين العابدين يقول بيت، هذا بيتنا الجديد – وارحم في ذلك البيت الجديد غربتي، ووحدتي، ووحشتي“.
لا بد أن نلفت أنفسنا، لا بد أن نلقن أرواحنا، لا بد أن نتحدث دائماً: هل تهيأنا للبيت الجديد؟ وهل أعددنا أنفسنا له أم لا؟ الإمام زين العابدين علي يحمل الطعام على ظهره فيقول له أحد اصحابه – ألا وهو ابن شهاب الزهري -: إلى أين سيدي؟ حامل طعاماً على ظهرك، إلى أين؟ قال: إلى سفرٍ أعددت له زاداً، ثم رآه في اليوم الثاني في المسجد فقال: سيدي لم تسافر؟ قال: ليس السفر ما ظننت، إنه سفر الآخرة، سفر، فعملية التغيير يا أخوان في شهر رمضان عملية روحية، فهنيئاً لمن فرّغ نفسه للعبادة في شهر رمضان، هنيئاً لمن استغل ساعتين كل يوم للعبادة والتقوى، هنيئاً لمن صرف ساعتين كل يوم في الإعداد للقبر ولللحد وللبيت الجديد، ”الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر فخذو من ممركم لمقركم“ كما ورد عن الإمام علي .
فنحن نتوق لعملية التغيير الإيجابية، لا لعملية التغيير السلبية. ولعملية التغيير الروحية، لا لعملية التغيير الترفية.
محل الشاهد :
القرآن يمدح الشخصية المطمئنة: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾
الاطمئنان، الاطمئنان، نحن كلنا مصابون بمرض القلق، فهل يوجد إنسان ليس لديه قلق؟ عندنا قلق من الأمراض، عندنا قلق من الحروب، عندنا قلق من الكوارث، عندنا قلق حتى من أهلنا، فبعض عنده قلق من زوجته، وبعض عنده قلق من أولاده، وبعض عنده قلق من مستقبل أولاده، وبعض عنده قلق من مستقبل تجارته، وهكذا، لا يوجد أحد ليس لديه قلق، ولكن ليكن قلقي من ذنبي ومعصيتي، ليكن تفكيري دائماً في ذنبي ومعصيتي هو الذي يقلقني، وهو الذي ينغّص علي العيش، وأما ما سواه فأنا شخصية مطمئنة: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾
القرآن الكريم يقول: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
ويقول: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ .
ما هو الرزق؟ البعض يفكًر أن الرزق أن يحصل على المال، لا، فقد لا يحصل على مال، وربما يظل في فقر مدقع لأنه اتقى الله، فهذا ممكن، ليس الرزق المترتب على التقوى ثروةً أو لقباً أو منصباً اجتماعياً، كلا، الرزق المترتب على التقوى هي حياة الاطمئنان، أن يعيش إنساناً مطمئناً هادئاً، هذا هو الرزق ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ . يعني يرزقه الاطمئنان، ولا يوجد رزق أعظم من الاطمئنان، أن تعيش مطمئناً. ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }.
ليس لديهم حزن ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
اطمئنان إذن الهدف الأول من عملية التغيير في شهر رمضان المبارك هو الوصول إلى الشخصية المطمئنة. هذا هو الهدف الأول.
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق و شعبه

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
أفتح الدردشة
اهلا بك في وكالة الراصد نيوز24
كيف يمكنني مساعدتك؟