مسجونا منتصر


🔸️ *مسجونا منتصر*🔸️
🖋 *الشيخ محمد الربيعي*
الله تبارك وتعالى نصب أهل البيت أئمة لأنهم مصادر التشريع قولاً وعملاً أي كما أن قول الإمام تشريع فعمله أيضاً تشريع، وتاريخه تشريع، فأهل البيت مصادر تشريع قولاً وعملاً نصبوا أئمة ليكونوا مصادر تشريع، لأن الله تبارك وتعالى أراد أن يوصل للبشرية لائحة قانونية متكاملة عن طريق أهل البيت خلال مئتي وخمسين سنة مدة تاريخ أهل البيت، فبُلِّغت لائحة قانونية تشريعية أقوالاً وأعمالاً من قبل هؤلاء من الإمام علي إلى الإمام الحسن العسكري صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فلو لم يكن هناك إعداد إلهي لانتقض الهدف، أي الهدف من نصبهم أئمة وهو أن تصل للبشرية لائحة التشريع بشكل متكامل، فلو لم يقم الله بإعداد إلهي وبرسم خارطة عمل لأهل البيت بحيث تتكامل المسيرة لما تكامل التشريع ولما وصلت للبشرية لائحة تشريعية متكاملة، إذن هناك إعداد إلهي مسبق، ولو لم يحصل إعداد إلهي لمسيرتهم وتاريخهم لانتقض الهدف وضاع الهدف الإلهي من نصبهم أئمة.
إذن مقتضى حكمة المولى عزوجل أن يرسم لهم تاريخاً وأدواراً تنسجم مع ظروفهم حتى تكتمل المسيرة التشريعية على أيديهم وإلا لضاع الهدف من نصبهم أئمة وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم عندما يتحدث عن الأنبياء ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25] وما دام هناك هدف إذن هناك خارطة مرسومة لأجل الوصول إلى ذلك الهدف.
وهذا المعنى الذي يذكر موجوداً في الروايات، وهذه الروايات الشريفة عندما تقرأها تفهم منها أن هناك إعداد لخارطة رُسمت مسبقاً منذ زمن النبي المصطفى محمد ( ص ) .
الرواية الشريفة التي وردت ذكرها الشيخ الكليني في الكافي ”إن الله عز وجل أنزل على نبيه كتاباً قبل وفاته فقال: يا محمد هذه وصيتك إلى النجباء من أهلك، قال: وما النجباء يا جبرئيل؟ قال: علي بن أبي طالب وولده وكان على الكتاب خواتيم فدفعه النبي إلى أمير المؤمنين وأمره أن يفك خاتماً منه ويعمل بما فيه، ففك أمير المؤمنين خاتماً وعمل بما فيه ودفعه إلى ابنه الحسن ففك خاتماً وعمل بما فيه، ودفعه إلى الحسين ففك خاتماً فوجد فيه أن أخرج بقوم إلى الشهادة فلا شهادة لهم إلا معك واشتر نفسك لله عزوجل ففعل، ثم دفعه إلى علي بن الحسين وعلي بن الحسين إلى الباقر… وهكذا .
إذن هناك مسألة إعداد إلهي وخارطة مرسومة من أجل تحقيق هدف معين من خلال هذه الخارطة المرسومة ولذلك أيضاً ذكر الشيخ الكليني ( في الكافي الجزء الأول ص279 )
: ”إن الأئمة لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلا بعهد من الله“ أي شيء مرسوم لهم مسبقاً وأمر منه لا يتجاوزونه، لأجل ذلك نقول بأن الروايات تدل على أن الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون للأئمة إعداد مسبق وخارطة عمل مسبقة قام بها الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
محل الشاهد :
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}. من أئمة هذا البيت، الإمام موسى بن جعفر الكاظم(ع)، الذي نلتقي بذكرى وفاته وشهادته، في الخامس والعشرين من هذا الشهر ـ رجب ـ. وعندما ندرس هذا الإمام، فإننا نجد أنه ملأ الساحة الإسلامية في مرحلته علماً وفكراً وحركة وروحانية، كأبيه الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع)، وقد ساهم ذلك في امتداده في الواقع الإسلامي، بحيث رجع الناس إليه في كل ما يحتاجونه من خصائص الرسالة الإسلامية، وفي كل ما يعيشونه من قضايا.
وقد ترك ذلك تأثيراً سلبياً على موقف الخلافة العباسية من الإمام الكاظم(ع)، وكان الخليفة العباسي في ذلك الوقت هارون الرشيد، الذي نُمي إليه أن الناس يراجعون الإمام الكاظم(ع) كما لو كان هو الخليفة، في حقوقهم الشرعية، وفي استفتاءاتهم الفقهية، وفي استشارته في القضايا السياسية، حتى إن الثائرين على الخلافة، كانوا يستهدونه في رأيه حول حركتهم. ولذلك، فكّر هارون الرشيد في أن يعتقل الإمام الكاظم(ع)، وأخذ ينقله من سجن إلى سجن، وقد ضُيّق عليه في أكثر هذه السجون، حتى استشهد في سجن “السندي بن شاهك” في بغداد، الذي دسّ إليه السم بأمر هارون الرشيد.
محل الشاهد :
ان الإمام الكاظم يبلور معالم الشخصية المؤمنة الإسلامية المتكاملة من خلال عدة أبعاد: البعد الروحي، البعد السلوكي، البعد الاجتماعي، البعد الخلقي، البعد التطويري.
يقول الإمام الكاظم : ”ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم فإن عمل حسنة استزاد الله منها وإن عمل سيئة استغفر الله وتاب إليه“ ليكن لديك مبدأ المحاسبة والمراقبة، المحاسبة فالمراقبة فالمعاتبة فالمواظبة، لابد أن تمشي على منهج متسلسل أوله المحاسبة، حاسب نفسك اقرأ تاريخك واقرأ خطواتك وضع النقاط على الحروف من أجل إصلاح مسيرتك وتهذيب شخصيتك.
حتى تنعكس هذه المحاسبة على سلوكك، ليكن سلوكك سلوك الإيمان والصلاح، ورد عن الإمام الكاظم : ”إذا رأيتم المؤمن صموتاً فأدنوا منه فإن المؤمن قليل الكلام كثير العمل، والمنافق كثير الكلام قليل العمل“ السلوك ليس بالكلام وليس بالدعاية وليس بالإعلان، العمل يثبت نفسه والواقع يثبت نفسه، والمؤمن قليل الكلام كثير العمل، المهم أن تكون لديك لغة الإنجاز لا لغة الثرثرة ولغة الدعاية، ورد عن الإمام علي : ”قيمة كل امرئ ما يحسنه“.
كيف تكون لوحة من الأخلاق الجميلة، كيف تكون مشهداً من المثل العالية السامية، يقول الإمام الكاظم : ”إن الله حرم الجنة على كل فاحش بذيء اللسان قليل الحياء لا يبالي بما قال ولا بما قيل فيه“ فالمؤمن هو الذي يصون لسانه عن البذاءة والسباب والشتم ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ المؤمن لغته دائماً لغة البسمة والكلام الطيب والخلق العالي ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ وقال في آية أخرى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾
الإمام الكاظم يرسم لنا البعد الاجتماعي في التعامل مع الآخرين يقول: ”سائلوا العلماء وخالطوا الحكماء وجالسوا الفقراء“ هذا كمنهج اجتماعي ترسمه لنفسك لتعيش العلاقات الاجتماعية بصورة حيوية.
هذه الكلمة من أولويات علم الإدارة وعلم البرمجة، يقول الإمام الكاظم: ”من تساوى يوماه فهو مغبون“ لا يكن يومك مثل أمسك، ولا يكن غدك مثل يومك، لابد أن تعيش روح التطوير والانطلاق والتغيير، إذا كنت تحمل بين جنبيك روحاً هي كلها طموح وكلها رغبة في التغيير والتطوير سوف تتغير وتتطور، أما إذا كنت تمشي على روتين جامد ومنهج لا يتغير ولا يتبدل فأنت سوف تقبع بعد عشرين سنة في مكانك، ومن تساوى يوماه فهو مغبون.
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق و شعبة