آخر الأخبار
ألمقالات

“كاظم جبر العبودي فن العمارة بين عبق الماضي واصالة الحاضر في قوة اللون” .

 

سمير السعد

في قلب العمارة، عاصمة الجمال والطيبة في محافظة ميسان، ولد الفنان التشكيلي والمسرحي كاظم جبر العبودي ليكون شاهدًا على أنين الفقراء وغناءهم الحزين، وينقل هذا النبض إلى لوحاته المشرقة وأعماله المسرحية المتميزة. خريج كلية الفنون الجميلة، هذا الفنان المتألق لم يكن مجرد رسام أو مخرج؛ بل كان سفيرًا للروح الإنسانية والجمال الإبداعي الذي يأسر القلوب.

بدأ العبودي مشواره الفني متأثرًا ببيئته الغنية بأصالة التراث والفقر المكافح. عاش بين تفاصيل بيئة (الجديدة) في ميسان، تلك البيئة التي أمدته بالألم الممزوج بالأمل، وألهمته ألوان لوحاته المميزة. أعماله التشكيلية لم تقتصر على العراق ، بل عبرت الحدود لتزين جدران المعارض في الكويت ولبنان وليبيا، حيث أثبتت ريشته تفوقها وجاذبيتها.

لوحاته تحكي قصصًا عن حياة الناس البسطاء، عن معاناتهم، أفراحهم وأحلامهم. كان يرى في الفقر جمالًا إنسانيًا يستحق التأريخ على القماش، فجاءت أعماله متدفقة بمزيج من الألوان المشرقة والموضوعات العميقة.

عاصر جيلًا من عمالقة الفن الميساني، وشاركهم مسيرة الإبداع، من أمثال زاهر الفهد، الدكتور فاضل خليل، والتشكيلي الكبير شوكت الربيعي. كان زميلًا وصديقًا مخلصًا، دائم التفاعل مع الساحة الفنية، مستفيدًا من خبرات أساتذته وزملائه.
تميز أيضًا في المسرح، وخاصة في مجال الأوبريت الغنائي، حيث أبدع في إخراج أوبريت “كل ليالينا كمر”، تأليف الراحل نعمة مطر. يُعد هذا الأوبريت علامة فارقة في مسرحة الغناء، حيث أعاد العبودي صياغة هذا النوع الفني بمنهجية جديدة تجمع بين الأصالة والتجديد، واضعًا أساسًا قويًا لهذا اللون الفني في العراق.

العبودي لم يكن فنانًا منعزلًا ، بل كانت علاقاته الإنسانية جزءًا من فنه. ارتبط بصداقة روحية وفنية عميقة مع المطرب كريم منصور، حيث كان العبودي ناقدًا ومتابعًا لأعمال منصور ، مما عزز من إبداعاته ومنحه بُعدًا جديدًا.

وما يميزه ليس فقط مهاراته الفنية ، بل أيضًا روحه الشفافة وخلقه الإنساني الرفيع. كان دائمًا أنيقًا في تعامله، مبتسمًا رغم كل الظروف، يحمل في داخله هدوءًا أصيلاً انعكس على كل تفاصيل حياته.

العبودي ليس مجرد فنان إنه راوي حكايات الناس، مرآة لأوجاعهم وأحلامهم، وناشر للجمال في كل مكان. من ميسان الخير، ومن بين ألوانه المبهجة وأنغام مسرحه، يستمر هذا الفنان الأصيل في إلهام الأجيال القادمة، محافظًا على إرث فني وإنساني خالد.

ولم تكن أعماله مجرد لوحات أو عروض مسرحية عابرة ، بل كانت رسائل حية تحمل روح ميسان ونبضها إلى العالم. هذا الإرث الفني لم يقتصر على إبراز معاناة البسطاء فقط، بل حمل في طياته جمالًا أصيلاً يعبر عن هوية وطنية راسخة.
من خلال ألوانه الزاهية التي تحمل بين طياتها الأمل، والأوبريتات التي ترسم لوحة من التناغم بين النصوص الغنائية والإخراج المسرحي، ترك العبودي بصمة لا يمكن محوها في ذاكرة الفن العراقي. لقد أعاد تعريف مفهوم الفن كرسالة مجتمعية، تجمع بين الجمال والإبداع، وبين التأمل والنقد البنّاء.

رغم كل الصعوبات، استمر في شق طريقه بثبات، ليصبح نموذجًا للفنان المثابر الذي لا يتخلى عن حلمه، حتى في أحلك الظروف. أعماله ما زالت شاهدة على حبه لميسان، وحلمه بنقل روحها إلى العالم. كل لوحة رسمها، وكل أوبريت أخرجه، حمل توقيعه الخاص الممزوج بالإنسانية والعاطفة.

العبودي ليس مجرد اسم في عالم الفن ، بل هو رمز للإصرار، للإبداع، وللجمال الذي ينبع من أعماق الأرض ليصل إلى القلوب. إنه قصة نجاح تستحق أن تُروى وأن تُلهم كل من يسعى لجعل الفن وسيلة للتغيير والتعبير.
“هكذا سيبقى كاظم العبودي، بابتسامته الهادئة وروحه الشفافة، علامة فارقة في سماء الإبداع العراقي، ينير طريق الأجيال نحو الجمال الحقيقي ” .

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
أفتح الدردشة
اهلا بك في وكالة الراصد نيوز24
كيف يمكنني مساعدتك؟