من نفاحت الامامين الباقر و الهادي ( عليهما السلام
🔸️ *من نفاحت الامامين الباقر و الهادي ( عليهما السلام )* 🔸️
🖋 *الشيخ محمد الربيعي*
كان الإمام محمد الباقر (ع) يريد من المسلمين أن يتوحَّدوا، وأن يتحابّوا ويتواصلوا، ولم يرد لهم أن يتخاصموا، بل أن يتحاوروا عندما تختلف وجهات النّظر فيما بينهم. وفي الرّواية عنه قال: “إيّاكم والخصومة ـ يعني إيّاكم أن يخاصم أحدٌ منكم الآخر ـ فإنَّها تفسد القلب ـ لأنّها تخلق في داخله الحقد ـ وتورث النّفاق”، لأنها تجعل الإنسان يقول ما لا يعتقد.
ويقول(ع)، وهو يريد للأرحام أن يتواصلوا: “إنَّ أعجل الطّاعةِ ثواباً صلة الرّحم، وإنّ القوم ليكونون فجّاراً ـ يعني لا يطيعون الله كما يجب أن يطاع ـفيتواصلون بينهم، فتُنمى أموالهم ويثرون”، بمعنى أنَّ صلة الرّحم تنمّي المال، وتوسِّع للإنسان رزقه.
وقال(ع): “ما من شيءٍ أحبّ إلى الله عزَّ وجلَّ من أن يُسأل، وما يدفع القضاء إلّا الدّعاء”. كان(ع) يشجِّع النّاس على أن يدعوا الله في كلِّ أمورهم، فإذا نابت الإنسان نائبةٌ، أو أصابته مصيبةٌ، أو عاش همّاً معيَّناً، فإنَّ عليه أن يجلس بين يدي الله ليدعوه، لأنَّ الله سبحانه وتعالى أراد للنّاس أن يدعوه، لأنَّ الدّعاءَ يمثّل العلاقةَ الحميمةَ بين الإنسان وربّه {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}”.
وقد تحدَّث الإمام محمد الباقر ( ع ) أيضاً عن أنَّ على الإنسان أن يعيش ليعطي الخير للنّاس. قال(ع): “وإنّ أسرع الخير ثواباً البرّ ـ أن يبرّ النّاس، وأن يحسن إلى النّاس ـ وأسرع الشرّ عقوبةً البغي ـ أن يبغي على النّاس، وأن يعتدي عليهم ـ وكفى بالمرء عيباً، أن يبصر من النّاس ما يعمى عليه من نفسه ـ يعني بعض النّاس ينتقد النّاس بأشياء هو يرتكبها، وعلى الإنسان الّذي لديه بعض العيوب، أن يهتمّ بنقد نفسه ويهذّبها، لا أن يتَّجه إلى النّاس ليفتّش عن عيوبهم ويعمى عن عيوبه ـوكفى بالمرء عيباً، أن يأمر النّاس بما لا يستطيع التحوّل عنه ـ يأمر النّاس ببعض الأشياء وهو يرتكبها ـ وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه” ـ أن يجلس مع النّاس ويؤذيهم بأشياء ليس له فائدة منها أو حاجة بها.
قال الجاحظ في كتاب “البيان والتّبيين”: جمع محمّد بن عليّ الباقر صلاح شأن الدّنيا بحذافيرها في كلمتين، فقال: “صلاح شأن المعاش والتّعاشر ملء مكيال: ثلثان فطنة، وثلث تغافل”، كأنّه يقول: إنّ الإنسان بحاجةٍ إلى الوعي فلا يُخدَع، وبحاجةٍ إلى التّغافل فلا يستغرق في الأمور الهامشيّة، وبذلك يصلح شأن معيشة الإنسان، وتصلح عشرته للنّاس، فلا يحاسب في كلّ شيء، ولا يتدخّل في جزئيّات النّاس.
وجاء في حديثه(ع): “لا تصحب الفاجر ـ لأنَّ الإنسان يتأثّر بصاحبه، كما قال الشّاعر:
صاحبْ أخا ثقةٍ تحظَ بصحبته فالطّبع مكتسَبٌ من كلّ مصحوبِ
والـرّيح آخذةٌ مما تـمرّ به نتناً من النّتن أو طيباً من الطّيبِ
ولا تطلعْه على سرّكـ لأنّك إذا كنْتَ لا تحفظ سرّك، فإنَّ الآخرين لن يحفظوه، وإذا أطلعْتَ الفاجر على سرّك، فإنّه قد يستغلّه للإضرار بك؛ لأنَّ فجوره قد يدفعه إلى أن يفشي ذلك السّرّ أو يستغلّك به ـ واستشر في أمرك الّذين يخشون الله”، إذا أردت أن تستشير أحداً، فاستشر النّاس الذين يخافون الله، لأنَّ الإنسان الذي يخاف الله، لا يمكن إلا أن ينصحك، ولا يمكن أن يغشّك، فخشية الله تدفعهم إلى أن يعطوك النَّصيحة بأمانة، ولا ينطلقوا في ذلك من خلال مصالحهم.
وقد جاء في الحديث عن الباقر(ع): “ما من عبدٍ يمتنع من معونة أخيه المسلم، والسَّعي في حاجته ـ إذا طلب أخوه المسلم أن يعينه، وكان قادراً على أن يعينه، ولكنَّه امتنع عن ذلك ـ إلا ابتلي بالسَّعي في حاجةٍ فيما يؤثم عليه ولا يؤجَر”، يعني أنّ الله سيبتليه بالسّعي في حوائج يؤثم عليها.
وقد جاء في حديثِ الإمام الباقر(ع): “ما من عبدٍ يبخل بنفقةٍ ينفقها فيما يرضي الله، إلا ابتلي بأن ينفق أضعافها فيما أسخط الله”، لأنَّ على الإنسان أن يسعى في كلّ ما يرضي الله، فينفق نفقته لما يحبّه الله، ولا يبخل بنفقته عمّا يحبّه الله”.
محل الشاهد :
وعندما نتحدث عن الامام علي الهادي ( ع ) فانه اضطهد من خلفاء زمانه، وواجه الكثير من الضّغوط، حتى إنَّ المتوكّل العباسي استقدمه من المدينة إلى بغداد في ظروف سيِّئة جداً، ولكنَّ الإمام الهادي (ع) كان أكبر من التحدّي، وواجه المتوكّل بأكثر من أسلوب يتحدَّى به طغيانه وسلطانه.
وكان الإمام (ع)، إلى جانب ذلك، معنيّاً بملاحقة كلّ الانحرافات الفكريَّة الّتي كانت تعيش في الواقع الشيعي بالذَّات، والواقع الإسلاميّ بشكل عام، فكان يرصد كلّ الانحرافات، سواء تلك الَّتي كان البعض ينطلق بها من تحميل اللّفظ القرآني ما لا يتحمَّل، أو في مسألة الغلوّ في الأئمَّة (ع)، أو في تأكيد القاعدة الإسلاميَّة في اعتبار العقل أساساً في الثقافة والحجَّة، وقد قدَّم الإمام الهادي (ع) الكثير الكثير في المجال الثقافي الإسلامي والتربية الإسلاميَّة، وكان محلّ تقدير المجتمع آنذاك، بالرّغم من أنَّ المجتمع كان يدين بالولاء للخلافة العباسيَّة…
ومن كلمات الإمام الهادي (ع)، وهو يبيِّن لنا الفرق بين الإيمان والإسلام، يقول (ع): “الإيمان ما وقر في القلوب وصدَّقته الأعمال – أن تكون مؤمناً، يعني أن يعيش الإيمان في عقلك عقيدةً تعتقدها وتلتزمها في وجدانك، ولكن أن يصدِّقها عملك، بحيث يتحوَّل الإيمان إلى خطٍّ عمليّ – والإسلام ما جرى على اللِّسان – من التلفّظ بالشَّهادتين – وحلَّت به المناكحة” أي التّزاوج.
وعن الحسن بن مسعود قال: “دخلت على أبي الحسن عليّ بن محمّد الهادي، وقد نُكبت إصبعي – جُرحت – وتلقَّاني راكب وصدم كتفي، ودخلت في زحمة، فخرقوا عليَّ بعض ثيابي، فقلت: كفاني الله شرَّك من يوم فما أشأمك! فقال (ع) لي: يا حسن، هذا وأنت تغشانا، ترمي بذنبك مَن لا ذنب له؟ فأثاب إليَّ عقلي، وتبيَّنت خطائي، فقلت: يا مولاي، أستغفر الله، فقال لي: يا حسن، ما ذنب الأيَّام حتى صرتم تتشاءمون بها إذا جوزيتم بأعمالكم فيها؟ قال الحسن: أنا أستغفر الله أبداً، وهي توبتي يابن رسول الله، فقال: والله ما ينفعكم، ولكنَّ الله يعاقبكم بذمِّها على ما لا ذمَّ عليها فيه، أما علمت يا حسن، أنَّ الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالأعمال عاجلاً وآجلاً؟! قلت: بلى يا مولاي، قال: لا تعُد، ولا تجعل للأيّام .
هذه بعض كلمات الإمام الهادي (ع)، وعلينا أن نستهدي بها، ونسير في خطِّ أهل البيت (ع)، لأنَّ خطَّهم هو خطُّ الطّهر والصّفاء والحقّ كلّه، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق وشعبه