سقوط الأقنعة ودور الحكام العرب في سحق المقاومة
كتب رياض الفرطوسي
شهدت السنوات الأخيرة سقوطاً مدوياً للأقنعة التي طالما غطت وجوه النظامين الدولي والعربي. بينما انكشفت ازدواجية المعايير الغربية في تعاملها مع قضايا الشعوب المستضعفة، برز الوجه الأكثر قبحاً لبعض الحكام العرب الذين اختاروا الوقوف إلى جانب القوى الكبرى ضد شعوبهم وقضايا أمتهم. كتاب “الحرب” للصحفي الأمريكي بوب وودورد، الذي سبق وأسقط الرئيس نيكسون في فضيحة ووترغيت، يكشف خفايا صادمة تثبت تورط هؤلاء الحكام في دعم عمليات قمع المقاومة الفلسطينية، ويفضح تفاصيل تآمرهم بشكل موثق وبالأسماء والتواريخ .
وثائق دامغة ومصادر عليا : يُعد بوب وودورد من أبرز الصحفيين الأمريكيين وأكثرهم مصداقية، وهو حاصل على جائزة بوليتزر المرموقة. من خلال مصادره العليا التي تشمل ضباط مخابرات، جنرالات، ووزراء، كشف وودورد في كتابه “الحرب” وثائق دامغة تؤكد تورط عدد من الحكام العرب في دعم العدوان الإسرائيلي على غزة. وفقاً للكتاب، تضمنت هذه الوثائق مطالب مباشرة من ملوك وأمراء ورؤساء عرب لوزير الخارجية الأمريكي بضرورة سحق المقاومة الفلسطينية بسرعة . الأكثر إثارة في هذه الفضيحة أن الوثائق تكشف أدواراً محددة لبعض الأنظمة، حيث قدمت المخابرات المصرية خرائط تفصيلية لشبكة الأنفاق في قطاع غزة، والتي كانت تُعد الشريان الحيوي للمقاومة. وبحسب وودورد، لم يكن الأمر مقتصراً على طلب الدعم الأمريكي، بل تجاوز ذلك إلى تقديم تسهيلات لوجستية ومعرفية لقوى الاحتلال .
ازدواجية الغرب ودور العرب في الحروب الحديثة : منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تسبب الغرب بقيادة الولايات المتحدة في قتل حوالي 25 مليون مدني خلال حروب في آسيا، إفريقيا، الشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية. لكن ما يزيد الأمر مأساوية هو انضمام بعض الأنظمة العربية إلى هذه اللعبة الدموية، حيث اختاروا أن يكونوا أدوات لقوى الهيمنة بدلاً من أن يكونوا صوت شعوبهم . السنتان الأخيرتان كشفتا بشكل أكبر عن هذه الحقائق، وسط حالة وعي شعبي متزايدة تجاه ازدواجية المعايير الدولية وتواطؤ الأنظمة المحلية. ورغم ذلك، لا يزال كثيرون في حالة سبات عميق تجاه هذه المؤامرات، ومن يستيقظ يواجه خطر التصفية أو الإقصاء.
فضيحة القرن في كتاب ” الحرب ” : كتاب “الحرب” يقدم تفصيلاً موثقاً ودقيقاً لهذه الفضيحة. يذكر وودورد أسماء الحكام، المواقف، التواريخ، وحتى المواقع التي جرت فيها الاجتماعات. ومن بين ما يميّز الكتاب أن القانون الأمريكي يحمي الصحفي من الكشف عن مصادره، ما يمنح هذه المعلومات مصداقية إضافية . الكتاب يمثل صفعة مدوية للأنظمة التي حاولت التستر على تواطئها، لكنه في ذات الوقت يضع شعوب المنطقة أمام مسؤولية تاريخية لفضح هذا التآمر والعمل على تغيير الواقع.
ماذا بعد السقوط؟ سقوط الأقنعة الذي وثقه وودورد هو بمثابة دليل جديد على أن القضية الفلسطينية لا تواجه عدواً خارجياً فقط، بل تعاني أيضاً من خيانة داخلية تستوجب المواجهة. الشعوب العربية اليوم مطالبة بالوعي والعمل المشترك لفضح هذه الأنظمة والوقوف إلى جانب حقوقها المشروعة . الحرب ليست مجرد معركة عسكرية، بل هي سياسة بأدوات مختلفة، وما كشفه بوب وودورد هو جزء صغير من لوحة كبيرة تعكس صراع الشعوب مع الأنظمة التي تحولت إلى أدوات في يد قوى الهيمنة العالمية .