آخر الأخبار
ألمقالات

الصداقة: زهرة الكرامة وأفق الأمل

كتب رياض الفرطوسي
الصداقة ليست مجرد علاقة تربط شخصين، بل هي ظاهرة إنسانية تنبض بالمعاني الأعمق للحياة. إنها قيمة تتجاوز الزمن، وركن أساسي لتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي للإنسان. منذ أرسطو، الذي رأى في الصداقة عنصراً جوهرياً للحياة الجيدة، وحتى يومنا هذا، تظل الصداقة “زهرة الكرامة” التي تزهر فقط في تربة نقية . ثلاثية الصداقة عند أرسطو: جوهر العلاقات الإنسانية . وضع أرسطو نظاماً ثلاثياً لفهم الصداقة :
اولا . صداقات المنفعة : وهي تلك التي ترتبط بالمصالح المشتركة، وتستمر طالما استمرت هذه المصالح .
ثانيا. صداقات اللذة : حيث تجمع الناس المتعة التي يجدونها في رفقة بعضهم .
ثالثا. صداقات الفضيلة : وهي أعلى مراتب الصداقة، حيث يقدّر الأشخاص بعضهم البعض لقيمهم الإنسانية، بعيداً عن أي غايات مادية .
الصداقة الحقيقية، وفقاً لأرسطو، هي التي تنشأ من الفضيلة؛ حيث يلتقي شخصان في مساحة نقية من التقدير والاحترام المتبادل، لا كوسيلة لتحقيق غاية، بل كغاية في حد ذاتها .
الصداقة في الحياة اليومية : استمرارية المعنى .
حتى في الأوساط التي عشتها شخصيًا، كانت الصداقة تمثل واحة أمان وسط صحراء العلاقات العابرة. الأصدقاء النجباء الذين ارتبطت بهم بعمق ظلوا يشكلون “رصيداً” مستمراً في حياتي، رصيداً يتجدد كلما مر الزمن. هؤلاء الأصدقاء لم يكونوا مجرد أشخاص، بل كانوا مواقف وقيماً وصوراً من الجمال الأخلاقي والإنساني . الزمن قد يفشل في اختبار العلاقات الهشة، لكن الصداقة الحقيقية لا تتأثر؛ بل تزداد قوة وجمالًا لأنها تقوم على أساس نظيف. العلاقات الأخرى، سواء كانت حباً أو رفقة أو حتى عقائد، قد تنهار أمام الاختلافات، لكن الصداقة الحقيقية تتجاوز كل هذه العقبات لأنها ترتكز على الإيمان بشخص الإنسان لا بموقعه أو أفكاره . الصداقة النظيفة هي إبداع بحد ذاته. إنها ملهمة مثل لوحة فنية تعكس النقاء أو قصيدة تفيض بالأمل. الصداقة تمنحنا نافذة نحو المستقبل، ليس فقط كعلاقة اجتماعية، بل كضمانة نستند إليها في زمن سريع التحول، زمن يسعى لإضعاف الروابط الإنسانية وتحويلها إلى علاقات سطحية عابرة . الصداقة لا تُقاس بالعمر، بل بجوهرها. يمكن أن تكون كعمر الزهور والفراشات؛ قصيرة لكنها مليئة بالجمال. أو قد تمتد كجذور الأشجار العتيقة التي تثبت أمام العواصف. بيئة الصداقة هي الفضاء الذي يجمع القيم الإنسانية: الكرامة، الإخلاص، العطاء، والنقاء . في هذا الزمن المتسارع، تظل الصداقة شرفاً وميثاقاً، حيث النظرة البريئة وعدٌ، والمصافحة هدية، والعناق كرم، والكلمة وثيقة. إنها وردة لا تزهر في الوحل، لأنها تحتاج إلى نقاء القلوب وصفاء النوايا . الصداقة ليست مجرد علاقة، بل فلسفة حياة. إنها التعبير الأسمى عن جوهر الإنسان، عن قدرته على مشاركة الحياة بروح نقية وعطاء بلا مقابل. قد تفشل علاقات كثيرة في هذا العالم، لكن الصداقة الحقيقية تبقى كالشمس التي لا تغيب، تزهر في كل مرة تجد فيها التربة المناسبة . فلنجعل من الصداقة قيمة نسعى دائماً للحفاظ عليها، لأنها كرامة وردة لا تزهر إلا في قلوب تعرف معنى النقاء .

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
أفتح الدردشة
اهلا
كيف يمكنني مساعدتك؟