آخر الأخبار
ألمقالات

السلطة والهوية: بين التشويه والتغيير

كتب رياض الفرطوسي
في عالم معقد، حيث تتشابك السياسة بالمجتمع، والتاريخ بالجغرافيا، والوعي باللاوعي، يبرز السؤال الأساسي: كيف يمكن أن تؤثر السلطة بمختلف أشكالها في تشكيل هوية الإنسان وتفاعله مع محيطه؟ . تستدعي هذه القضية وقفة تأملية عميقة في ظل مقولة المؤرخ والسياسي كورديل هل، التي تؤكد أن شل ذاكرة الشعوب وتشويه لغتها وثقافتها يؤدي إلى تدمير هويتها الجماعية. هذه الفكرة المحورية تتردد في أعمال أدبية وفلسفية كبرى، ومنها رواية “المسخ” لفرانز كافكا، التي ترصد كيف يمكن للسلطة ‘ سواء كانت سياسية، اجتماعية، أو ثقافية ‘ أن تحول الإنسان إلى كائن غريب عن نفسه ومجتمعه . يحاول البعض، تحت وطأة الأزمات، التعلق بحلول سطحية ووصفات جاهزة تُغرقهم في دوامة من الأوهام. هنا، يظهر أهمية مقولة “لا تطلب الدبس من دبر النمس” التي تسخر من محاولات عبثية للحصول على نتائج من مصادر غير منطقية. إنها دعوة للتخلي عن الأفكار السطحية والبحث عن مقاربة جديدة لفهم التداخلات العميقة بين المحلي والخارجي، السياسي والاجتماعي، والمادي والرمزي . إن تشويه التاريخ واللغة والثقافة ليس مجرد فعل عرضي، بل استراتيجية ممنهجة تستخدمها السلطات لضمان السيطرة على المجتمعات. فمن خلال إعادة كتابة التاريخ وتغيير المعاني المرتبطة بالرموز الثقافية، تُفرض سرديات جديدة تعزل الإنسان عن جذوره وتجعله أكثر تقبلاً للتبعية . في السياق العراقي، يمثل التشويه الإعلامي للأفراد الوطنيين مثالاً واضحاً على هذه الآليات. كما يظهر في الحملات التي استهدفت شخصيات ورموز وطنية ، حيث لم تقتصر المحاولات على النيل من السمعة، بل امتدت لتشويه التاريخ الشخصي وربط النضال الوطني بأجندات خارجية . لا يكفي الاكتفاء بالنقد السطحي أو التذمر من الأوضاع. يجب أن يكون التحليل عميقاً وشاملاً للتشابكات المتداخلة بين مختلف العوامل. فالوطنية لا تُختزل في الخطابات الرنانة أو الدفاع العاطفي، بل تتطلب تفكيكاً للمنظومات القائمة على استغلال الهوية وتزييف الوعي . إن الدعوة للتخلي عن الأحلام والأوهام ليست دعوة للاستسلام، بل لتحفيز التفكير النقدي وإعادة بناء الذات على أسس أكثر واقعية. في هذا الإطار، تصبح رواية “المسخ” وتجارب الرموز الوطنية دروساً في مقاومة الانسلاخ الثقافي وإعادة الاعتبار للذات الجماعية .

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
أفتح الدردشة
اهلا
كيف يمكنني مساعدتك؟