العلاقات العراقية السعودية: نحو شراكة استراتيجية مستدامة


كتب رياض الفرطوسي
شهدت العلاقات بين العراق والسعودية مساراً متقلباً تراوح بين التقارب الشديد والقطيعة الحادة، حيث تأثرت هذه العلاقات بتحولات إقليمية ودولية، وتداخلات سياسية وأمنية معقدة. واليوم، يبدو أن البلدين يسعيان إلى تعزيز شراكتهما على أسس جديدة تقوم على المصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي. قبل عام 1990، تميزت العلاقات العراقية السعودية بقوة خاصة خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، حيث دعمت السعودية بغداد بشكل كبير، ووفرت لها الدعم المالي والسياسي وحتى السلاح، في إطار مواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد في المنطقة. كان هذا الدعم يعكس التوافق الإقليمي بين البلدين لمواجهة خطر مشترك . عام 1990، تغيرت هذه العلاقة جذرياً بعد غزو العراق للكويت، حيث وقفت السعودية بقوة إلى جانب الكويت. لعبت الرياض دوراً محورياً في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والذي أسفر عن طرد القوات العراقية من الكويت. هذا الموقف أدى إلى قطيعة بين البلدين استمرت لعقود، خاصة مع استمرار التوتر في فترة حكم صدام حسين . بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، بدأت العلاقات بين بغداد والرياض تعود تدريجياً إلى مسارها الطبيعي. ومع ذلك، تأثرت هذه العلاقة بالتوترات الطائفية والسياسية في العراق، وبنفوذ إيران المتزايد داخل البلاد . في السنوات الأخيرة، أظهرت الحكومات العراقية رغبة أكبر في تحسين العلاقات مع السعودية، مدركة أهمية الدور السعودي سياسياً واقتصادياً وروحياً في المنطقة والعالم الإسلامي . في لقاء جمع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في المخيم الشتوي بمحافظة العلا، تم بحث تطورات الأوضاع الإقليمية، وأكد الطرفان على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية. كما أشار السوداني إلى أن العراق والسعودية قادران على بناء محور سياسي واقتصادي مشترك يمكن أن يكون مرتكزاً للاستقرار في المنطقة . السوداني شدد على ضرورة ترجمة التفاهمات بين البلدين إلى مشاريع على أرض الواقع، مستشهداً بثقل البلدين في العالم الإسلامي والعربي، واعتبارهما ركيزة يمكن أن تؤسس لنظام إقليمي مستقر . رغم الرغبة الواضحة في تعزيز العلاقات، هناك تحديات تواجه هذا المسار. بعض الأطراف داخل العراق، قد تعارض هذا التقارب ‘ لكن السوداني يبدو مصمماً على المضي قدماً برؤيته الواقعية التي ترتكز على خفض التوترات الإقليمية، وتعزيز التنمية التي لا تتحقق إلا بالاستقرار . السعودية، بدورها، تلعب دوراً رئيسياً في التقارب مع العراق، من خلال دبلوماسيتها المتوازنة ودعمها للتنمية والاستقرار في المنطقة. وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، أكد هذا الدور المحوري للسعودية في العالم الإسلامي، مشيداً بمواقفها القيادية ودورها في المؤتمرات الإقليمية والدولية، مثل القمة العربية الصينية . مع تطور التفاهمات الدبلوماسية بين بغداد والرياض، يبدو أن البلدين أمام فرصة تاريخية لبناء شراكة استراتيجية تخدم استقرار المنطقة. هذا التعاون يمكن أن يكون منصة لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإطفاء الأزمات الإقليمية . العراق والسعودية يمتلكان إمكانيات كبيرة، وإذا استثمرتا في التعاون المشترك، فإنهما قادران على صياغة محور قوي يدعم استقرار المنطقة والعالم، ويضع الأسس لنظام إقليمي أكثر توازناً وعدالة . إن العلاقات العراقية السعودية تشهد اليوم مرحلة جديدة من الانفتاح والتعاون، لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب إرادة سياسية قوية، وعملًا مشتركاً متواصلًا لتجاوز التحديات. فقط من خلال الحوار والشراكة يمكن للبلدين أن يتحولا إلى ركيزة استقرار في المنطقة، ويقدما نموذجاً للتفاهم في عالم يموج بالتوترات.