يوم النصر: محطة مفصلية في تعزيز الأمن القومي وبناء المستقبل”
كتب رياض الفرطوسي
في تاريخ الأمم، هناك أيام تحمل في طياتها معاني عظيمة وترمز إلى قوة الإرادة والصمود، ويوم النصر على تنظيم داعش الإرهابي هو واحد من هذه الأيام التي ستبقى خالدة في ذاكرة العراق وشعبه. إنه يوم تجسدت فيه أسمى معاني التضحية والفداء، يوم تحققت فيه الوحدة الوطنية بإرادة الشعب وجسارة الأبطال الذين قدموا دماءهم الزكية لتحرير أرض العراق الطاهرة . هذا الانتصار لم يكن مجرد حدث عابر أو نهاية لحقبة مظلمة فحسب، بل كان انتصاراً للهوية الوطنية العراقية، وللقيم التي تربط أبناء هذا الشعب بعضهم ببعض. إن الفضل في هذا النصر يعود إلى الله عز وجل أولًا، وإلى التضحيات العظيمة التي قدمها الشهداء الأبرار الذين واجهوا الإرهاب المتوحش بأرواحهم الطاهرة. هذه التضحيات ليست فقط وساماً على صدور الأبطال، لكنها دليل على أن الإرادة الشعبية قادرة على إسقاط كل مخططات الظلام، مهما كانت قاسية أو متوحشة . النصر على داعش ليس فقط انتصاراً عسكرياً، بل هو أيضاً انتصار استراتيجي للأمن القومي العراقي. فقد شكّل تنظيم داعش تهديداً وجودياً للدولة العراقية ولنسيجها الاجتماعي. لكن بتكاتف الجميع – من الجيش، والحشد الشعبي، وقوات الأمن، والعشائر، وحتى المواطنين العاديين – استطاع العراق أن يعيد سيادته ويحافظ على وحدة أراضيه . الأمن القومي ليس مجرد حماية الحدود أو التصدي للتنظيمات الإرهابية، بل هو مفهوم أوسع يشمل الأمن الاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي. النصر على داعش أثبت قدرة العراق على مواجهة التحديات الكبرى، لكنه أيضاً أظهر الحاجة إلى تعزيز الأمن القومي بمفهومه الشامل من خلال بناء دولة مؤسساتية قوية تحمي المواطنين من أي تهديد داخلي أو خارجي . رغم هذا الانتصار العظيم، يبقى السؤال: هل يستطيع العقل السياسي العراقي مواجهة تحديات المستقبل كما واجه تحديات الماضي؟ إن العراق الذي خرج منتصراً من معركة وجودية ضد الإرهاب يحتاج اليوم إلى عقل سياسي مرن وواعٍ يعمل على بناء دولة قوية ومستقرة . لقد كانت قيود الماضي، من فساد وانقسامات سياسية، أحد الأسباب التي مكنت داعش من الظهور والتمدد. واليوم، إذا أردنا حماية هذا النصر، فعلينا أن نتجاوز هذه القيود، وأن نتبنى نموذجاً سياسياً يعزز الوحدة الوطنية، ويعتمد على الكفاءات والشفافية، ويواجه التحديات الإقليمية والدولية بعقلانية وحكمة . الحفاظ على يوم النصر كرمز للأمن القومي يتطلب التزاماً من جميع فئات الشعب العراقي، سياسيين ومواطنين، في بناء عراق جديد. إن دماء الشهداء التي سالت لتحرير هذا الوطن تستحق منا أن نعمل جاهدين لبناء دولة مستقرة وآمنة، دولة لا تكون عرضة للتهديدات الداخلية أو الخارجية، دولة تحمي حقوق مواطنيها وتوفر لهم فرصاً للعيش الكريم . يوم النصر على داعش ليس نهاية التحديات، بل هو بداية لطريق طويل من البناء والتطوير. الأمن القومي لا يتحقق فقط بالانتصارات العسكرية، بل يتطلب سياسات حكيمة، واستثماراً في الإنسان، وتكريساً للوحدة الوطنية. العراق الذي انتصر على الإرهاب قادر على أن ينتصر على كل تحديات المستقبل، إذا اجتمع أبناؤه على كلمة واحدة: العمل من أجل وطن موحد ومستقر وآمن .