” الظل ليس الشجرة ” عن ازمة الفكر في مجتمعنا
كتب رياض الفرطوسي
لماذا توقف مجتمعنا عن إنتاج مفكرين وفلاسفة بقامات عظيمة كفائق حسن والجواهري والبياتي وعلي الوردي؟ سؤالٌ يفتح أبواباً على واقعٍ يضج بالتناقضات. في زمنٍ كان فيه الفكر يتقدم، والكلمة تُنحت بروح الإبداع، نجد أنفسنا اليوم أمام موجة من التفاهة والسطحية، وكأن العقل قد استقال عن دوره، والروح اختارت الصمت في مواجهة الصخب .إن العقم الفكري الذي نعيشه لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج سياقات اجتماعية وسياسية وثقافية. تم تهميش الفكر لصالح خطابات سطحية تستند إلى قوة السلطة لا قوة الحقيقة. خطابات الساسة والمقاولين والمواعظ الفارغة أصبحت الصوت السائد، بينما غاب صوت العقل النقي أو طُمر تحت ركام الحطام الفكري . لقد تحوّل المجتمع إلى مسرح للتافهين والمنافقين، حيث يُرفع الفاسد والمسطح، ويُقصى المفكر والواعي. المفكر اليوم إما يُهمش، أو يُجبر على الهرب، أو يصبح ضحية حملات تشويه لا ترحم. التفكير ذاته صار يُعامل كجريمة، وكأننا في مجتمع يخاف النور ويعشق العتمة . الكارثة الكبرى هي أن التقبل يطبع العاهات. في كل مرة نغض الطرف عن خطابٍ فارغ، أو نضحك على تفاهة شائعة، أو نصفق لصاحب سلطة جاهل، نساهم في تطبيع هذا الواقع. خلف كل هذه التفاهات، هناك عقول جميلة وأفكار ملهمة تُطمر يومياً، لأننا اخترنا أن نعيش في ظل التفاهة بدلاً من مواجهة الحقيقة . في وسط هذه الفوضى، يجب ألا ننسى أن هناك أشياء جميلة تنتظر من يكتشفها. ربما يكون التحدي الأكبر هو كيف نعيد للفكر مكانته، وكيف نمنح العقل المساحة ليُبدع، وكيف نصنع من النقد أداة للتغيير بدلاً من أن يكون أداة للتدمير .الخطوة الأولى هي رفض التقبل؛ أن نقف ضد موجة التفاهة ولو بالكلمة، أن نمنح المفكرين والمبدعين صوتاً وحاضنة، وأن نعيد بناء الثقافة على أسس حقيقية لا شعارات فارغة . الظل ليس الشجرة، والتفاهة ليست قدراً. علينا أن نعيد الاعتبار للعقل، لأننا بدون ذلك، سنبقى أسرى لصراخ الجهلة وأوهام العظمة الزائفة .