آخر الأخبار
ألمقالات

العراق وسوريا: جدلية الطائفية والجغرافيا السياسية في مواجهة تحديات المستقبل

كتب رياض الفرطوسي
يمر العراق بمرحلة مصيرية حيث تتشابك العوامل الداخلية والخارجية في مشهد معقد يهدد استقراره وأمنه. تتداخل الصراعات الطائفية مع التغيرات الجيوسياسية في المنطقة، مما يفرض تحديات وجودية تتطلب رؤية استراتيجية شاملة للتعامل معها . أطلقت الولايات المتحدة مشروعاً جديداً لإعادة تشكيل المنطقة، وقد خصصت له ميزانية ضخمة بهدف استبدال العديد من أنظمة الحكم العربية الموالية لها بأنظمة تتبع الجماعات السلفية. البداية ستكون من سوريا، حيث يمثل سقوط النظام السوري تهديداً مباشراً لا يقتصر على العراق فقط، بل يمتد ليشمل الأردن ودول الخليج . يشكل احتمال انتقال الحكم في سوريا من الطائفة العلوية إلى جماعات سلفية متطرفة مدعومة من تركيا تهديداً مباشراً لاستقرار العراق. في حال سقوط النظام السوري، لن يكون بمقدور العراق أو أي دولة مجاورة مواجهة الزحف التكفيري القادم من سوريا، والذي بدأ بالفعل بتدمير الحسينيات الشيعية في حلب وغيرها من المدن ذات الأغلبية الشيعية . هذا التحول قد يُشعل المشاعر الطائفية في العراق، خاصة بين الأطراف السنية المتأثرة بالصراع السوري. وسيمنح الجماعات المسلحة حافزاً جديداً للتصعيد وزعزعة الأمن. العراق وسوريا يشكلان محوراً جغرافياً استراتيجياً حساساً، وأي خلل في هذا المحور قد يؤدي إلى انهيارات سياسية وأمنية كبرى .
المخططات الدولية : رؤية نتنياهو واستراتيجيات الفوضى.
في كتابه ” مكان بين الامم ” وضع بنيامين نتنياهو تصوراً لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، مع التركيز على إسقاط دول رئيسية مثل سوريا والعراق. ويبدو أن هذا المخطط يجري تنفيذه بطرق عدة، أبرزها تأجيج الصراعات الطائفية ودعم الميليشيات المسلحة .
تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء عام 2006 يُعد نموذجاً لهذه الاستراتيجيات. كان هذا التفجير نقطة تحول خطيرة دفعت العراق نحو حرب أهلية، وسط أدلة تشير إلى تورط جهات دولية، مثل العقيد الأمريكي جيمس ستيل، الذي شارك في تصميم البنية التحتية للصراعات الطائفية في مناطق مختلفة من العالم .
تهديد الرموز والمراكز الدينية الشيعية .
لا تتوقف الهجمات التكفيرية عند الحدود السورية. اليوم، تهدد الجماعات المسلحة رموزاً دينية ذات أهمية كبرى، مثل كربلاء والنجف. ومع استمرار تدمير المراكز الشيعية في سوريا، فإن الخطر القادم قد يمتد إلى هذه المدن، ما يمثل تهديداً مباشراً للأمن العراقي والهويّة الشيعية .
مواجهة التحديات : رؤية عراقية للاستقرار .
في ظل هذا المشهد المظلم، يواجه العراق ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان استقراره والحفاظ على توازنه الداخلي والإقليمي. ومن أبرز هذه الإجراءات :
اولاً. حماية بغداد: باعتبارها مركز الثقل السياسي والاجتماعي للعراق، فإن استقرار العاصمة ينعكس إيجابياً على استقرار الدولة بأكملها .
ثانياً. تعزيز المصالحة الوطنية: يجب بناء دولة تستوعب جميع مكوناتها بعيداً عن الطائفية والمحاصصة السياسية، مع التركيز على تقوية الروابط الوطنية .
ثالثاً. مواجهة التدخلات الخارجية: يتطلب الأمر تحصين العراق من التدخلات الإقليمية والدولية التي تهدف إلى إدامة حالة عدم الاستقرار وتحويل العراق إلى ساحة صراع مفتوح.
إنقاذ العراق يبدأ من الداخل.
إن إنقاذ العراق من براثن الطائفية والسلفية والمخططات الدولية يتطلب رؤية شاملة تركز على بناء دولة المؤسسات، وتحقيق الوحدة الوطنية، وإعادة ترتيب الأولويات. لا يمكن للعراق الوقوف بمفرده دون تعزيز استقراره الداخلي وحماية رموزه الدينية والسياسية. بغداد، باعتبارها القلب النابض للعراق، تمثل المفتاح الأساسي لضمان الاستقرار ومواجهة التحديات المستقبلية.
تجنب تأثيرات الصراع السوري وتداعياته الإقليمية يحتاج نهجاً استراتيجياً شاملاً، يقوم على عدة محاور أساسية :
أ. إعادة تقييم العلاقات الإقليمية بما يضمن الحفاظ على التوازن مع الدول المؤثرة في المنطقة، مع التركيز على التعاون الأمني والاستخباراتي لمنع تسلل الجماعات الإرهابية.
ب. دعم القدرات العسكرية والأمنية لمواجهة التهديدات القادمة من سوريا، خصوصاً من الجماعات الإرهابية.
ج. وعي القادة السياسيين بالخطر المحدق : على القادة السياسيين العراقيين تجاوز المصالح الحزبية الضيقة، واتباع سياسات قائمة على استشراف المخاطر والتحديات المستقبلية .
الأيام القادمة ستكشف ملامح مستقبل الصراع في سوريا، سواء بالاتجاه نحو التسوية أو استمرار النزاع، وذلك بناءً على ما ستسفر عنه اجتماعات الدوحة من قرارات وتوجهات. هذه الاجتماعات تمثل فرصة حاسمة للأطراف الدولية والإقليمية لإعادة تقييم مواقفها وصياغة حلول توازن بين المصالح المتضاربة، مع مراعاة استقرار المنطقة بأسرها.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
أفتح الدردشة
اهلا
كيف يمكنني مساعدتك؟