آخر الأخبار
صحتكم تهمنا … ‎تناول التفاح ليلاً له فوائد صحية عديدة سأتناولها واياكم ايها الاعزاء وهي الصف تهتف بصوت واحد: فيصل أبو عريضة.. كلمة الشعب وإرادة الوطن المركزي للمحاسبات" يعقد جلسة نقاشية بعنوان "مكافحة الفساد وغسل الأموال .. الأبعاد القانونية والمؤسسي... كونفوي للتطوير العقاري تنظم أول ايام المعرض داخل نادي مستشاري قضايا الدولة 25 أكتوبر الجاري الرواية المعكوسة لتوم باراك عن سورية ولبنان؛ الحقيقة كما هي ضرورة اصلاح تناقض سياسات القبول لكي يعاد التوازن لــــ نظام ‏القبول المركزي  تعاون علمي ورياضي مثمر بين الكلية التربوية / مركز ميسان الدراسي واللجنة الأولمبية فرع ميسان الزبير صالح يفتتح مشوار العراق في الملاكمة بفوز مستحق في دورة الألعاب الآسيوية للشباب كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة تشارك في مراسم حفل التخرج المركزي لجامعة البصرة رئيس اللجنة الأولمبية يستقبل أبطال منتخب المواي تاي ويهنئهم على الإنجاز الكبير
ألمقالات

النص الاخير.. من كتاب شفرات حيونسانية .. در البقرة ..!

 

حسين الذكر

لم تكن المرة الأولى التي تبعثني أمي ؛ كي أشتري إناء لبن يسمى بلهجتنا الشعبية ( طاسة روبة ) من جارتنا الحاجة ، حيث كانوا يربون بقرة في بيتهم وسط المدينة بحالة كانت تعد طبيعية ، بل حالة معتادة وصورة متكررة في بيوت وأحياء أخرى كجزء من يوميات حياة طبيعية لا تشكل مثلبة أو مخافة للبيئة المدنية أيام السبعينات من القرن المنصرم .
في كل مرة أذهب لشراء الروبة كانت تنتابني نوبتان : الأولى سعيدة ، وأحتاجها حد الاجتياح ؛ إذ كنت أعشق دخول تلك الزريبة الحيوانية البسيطة بأجوائها الخلابة في نفسي ؛ إذ تستقبلني الحاجة بقبلة ، وتصطحبني إلى نقطة قريبة من البقرة ، حيث تناولني الطاسة ، وما كان يرافق ذلك ويتبعه من مشاهد جميلة ما زالت تعشش في أعماقي حينما أرى البقرة بشكلها المهيب ، وضخامتها ، وعطائِها بمعين لا ينضب ولا يُستغنى عنه في عصر البداوة ، ولا في ذروة المدنية العولمية ، فضلاً عن انتشار مجاميع الدجاج ، وصياح الديك ، ومعاء الماعز والخروف ؛ إذ إن بيت جارنا كان أشبه بقرية ، وحديقة حيوانات أليفة داجنة وسط المدينة .
ذلك ما كنت أحتاجه وأعيشه بصورة غريزية ودوافع باطنية ما زالت مجهولة .
بعد عقود من تلك الأيام البريئة الجميلة التي لا يمكن أن تعاد أبداً .. أما النقطة الأخرى فقد كنت أخشى من ضخامة البقرة ، وما تبعثه من مخاوف في نفسي ، لا سيما ذلك الثور القريب منها ، والذي أشعر بهيجانه وثورته الدائمَين بقرنين مخيفين ، وأستغرب مع ثورته كيفية تعامل الحاجة معه بعفوية وتلقائية كأمه ربيبها أو وليدها ، أو أحد أفراد أسرتها ، حيث أحسدها على ذلك الاطمئنان الحيواني الذي تمارسه وتعيشه ، بينما يشتعل بركان بين جوانحي منذ دخولي الزريبة حتى هربي بطاسة الروبة التي أحياناً أبدأ بالتهام بعضها قبل أن أصل إلى البيت ؛ إذ طالما كانت أمي ترمقني بنظرة عين كلها ملامة وعتاب ، كأنها تحاسبني نظرياً عن دناءة نفسي التي لا تصبر ساعة حتى يحين موعد الغداء ، بينما ألتهم ربع طاسة الروبة او نصفها في الطريق ، في الوقت الذي كانت فيه مخصصة كلياً لوالدي الذي يتناولها كوصفة دواء شعبي ، وليست مجرد غذاء .

منذ تباشير الحياة ودبيبها الحثيث كانت البقرة شريك الإنسان في بيئته ، بل هي من أوائل الحيوانات والآلات التي أسهمت في التشييد التام للحقول والمزارع والمدن .
الماء هو عنوان كل شيء ونماء ، و كذلك البقرة بقدسيتها المفترضة كمصدر للغذاء والكثير من الخيرات ، لا سيما عند بعض الشعوب ظلت مصدراً للنماء والارتقاء والبقاء ، و استطاعت أن تبني علاقة وثيقة مع الإنسان برغم جثتها وشكلها وصوتها ، وكذا مخلفاتها الروثية المتعددة المقززة التي لا يمكن أن يتم التعاطي معها مدنياً إلا في حقل ، وتربة زراعية يمكن من خلالها صناعة الأسمدة ، وتأكيد فاعلية الأبقار وتأثيرها على الإنسان .
ذات صباح حزين نهضنا على عواء وصراخ في شارعنا الذي شدنا مباشرة إلى جمهرة الناس في بيت قريب ، تأكدنا بعد لحظات أنه بيت الحاجة أم ( الروبة ) ؛ إذ تناقل الناس وشايات عديدة حول موت زوجها الحاج ، بعضهم قال : إنه مريض ، وقد قضى عليه مرض عضال ، وشكك آخرون في الأمر ، وحضر رجال الشرطة بعد أن قيل أن بقرةً قد نطحت الثور و أطاحت به ، أو داسته وهو نائم في الحقل ، لا سيما أن القصة بدت طبيعية ، ولا تحمل طابعاً جنائياً ؛ إذ إن النوم في الحقول ، والاستمتاع بأنفاس الطبيعة ، والمشاركة /الحيوانسانية/ تبتهج بذروة نقائها حد التقاسم لجمالية الخلق والإبداع والإحساس البيئوي الطبيعي الذي نراه في الحقول والبساتين والمزارع .
أحدهم ذهب أبعد من ذلك ، حينما قال : إن المسألة لن تكون كذلك ، فعدم وجود البقرة وسط هذه الأجواء الملغمة أحدث همساً ، بل نتج عنه توجيه أصابع اتهام معينة ، بأن العلمية برمتها تعد نتاجاً ورد فعل طبيعي لعملية سرقة قام بها أحدهم ، وما تلا ذلك من مقاومة الحاج للصوص وهم يسرقون البقرة التي ربما أدت إلى ضربة أو وقعة جراء مقاومة نتج عنها فقدان حياة الحاج المحبوب من قبل أبناء المنطقة ، وما يعنيه من حزن ، وانكسار تنكس معه الرؤوس والأعلام على فقْد أحد أعلام المدينة ، بما يمثله كيان الحاج وأخلاقياته من مصدر أمان واطمئنان وسلام وتعاون مع أبناء المنطقة .
قال بعضهم إن الحاجة زهقت جراء متابعتها ومداراتها الطويلة ومراعاتها الثقيلة لمرض الحاج ، ما أدى إلى ثورة غضب عبرت عنها بفك أسر البقرة التي هربت إلى جهة مجهولة ، مع أن هذه الحكاية لم تصدق ، ولم يكن لها نصيب ،لا سيما أن الحاجة قد بدأت منكسرة أكثر الجميع ، متأثرة بفقد زوجها وراعي بيتها ، إلا أن الشك ظل يحوم حول جميع الشبهات ، …

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى