لا تراهن على أحد: أزمة الثقة في المنظومات السياسية والاجتماعية
كتب رياض الفرطوسي
في واقع مليء بالتحديات والفساد، تتجلى أزمة الثقة كواحدة من أبرز مظاهر الانهيار الأخلاقي والمؤسسي. هذا الواقع يحتم علينا أن نعيد التفكير في رهاناتنا على القوى المختلفة التي تتحكم بمصير المجتمعات. لكن، لماذا لا يمكننا الرهان على أي من هذه القوى؟ السياسة اليوم غارقة في الأزمات الأخلاقية والثقافية، إذ يعاني معظم السياسيين من أمية نفسية وفكرية، ويُظهرون تعاملاً انتهازياً مع السلطة كأنها غنيمة شخصية أو ميراث عائلي. يعتنقون خطاب الإقصاء والتخوين، ويستندون في وجودهم إلى “الماضي الجهادي أو النضالي”، دون تقديم أي رؤية مستقبلية أو مشروع حقيقي للتغيير.الإعلام، الذي يُفترض أن يكون صوت الناس ومرآة الواقع، بات أداة بيد مجموعة من غير المؤهلين. تحول الإعلام إلى منصة تخدم المصالح الشخصية والفئوية، مما أدى إلى فقدان دوره في إحداث التغيير الإيجابي أو كشف الحقائق .لا يمكن الرهان على النخب الثقافية، حيث يغيب عنها الإبداع والمسؤولية، ويهيمن عليها الفراغ الثقافي والفساد الأخلاقي. لم تستطع هذه النخب تقديم رؤية تُلهم المجتمع أو تسهم في بناء مشروع تغييري . المناصب في كثير من الأحيان تُباع لمن يدفع أكثر، ما يجعلها وسيلة لتحقيق المكاسب الشخصية وليس خدمة الشعب. السلطة ذاتها تُمارس الحكم بمنطق غنيمة الحرب، حيث يُنظر إلى الثروة كملكية خاصة والناس كأسرى، مما يعمق الانقسام الاجتماعي ويعزز الفساد . التغلغل القبلي في المؤسسات العليا يعيد إنتاج العقلية السلالية التي تعتقد بالتفوق على الآخرين بناءً على النسب أو التاريخ. هذا النظام يعزز الطبقية والتمييز ويمنع قيام دولة حديثة قادرة على تمثيل الجميع. تاريخياً، كانت العلاقة بين شيوخ العشائر والأنظمة الحاكمة قائمة على التحالفات المصلحية، مما أضعف الدولة وأفقدها مصداقيتها . في ظل هذا المشهد القاتم، يصبح الرهان الوحيد الممكن هو على الذات. كما يقول الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي، العمل داخل المجتمع هو السبيل لإحداث التغيير الحقيقي. من خلال الفكر والمعرفة والعمل الثقافي، يمكن للأفراد أن يبنوا مشروعاً طويل الأمد، رغم الإمكانيات البسيطة . رهانك على القوى التقليدية في السياسة والإعلام والسلطة سيقودك حتماً إلى خيبة الأمل. في المقابل، الإيمان بالذات والعمل الجاد داخل المجتمع هو الطريق لتحقيق التغيير الحقيقي. إن التحول يبدأ من الداخل، ولا يحتاج إلى سلطة أو منصب، بل إلى رؤية صادقة وعزيمة لا تلين.