الشرق الأوسط الجديد: بين مخططات مدروسة ومستقبل المقاومة
كتب رياض الفرطوسي
يتجدد الحديث عن السيناريوهات القادمة في الشرق الأوسط، وسط تساؤلات حول الدور العربي وتأثيره على التحولات الإقليمية. يتردد أن الأنظمة العربية لعبت دوراً محورياً فيما يحدث، حيث أن التواطؤ أو التغاضي عن المخططات الكبرى غالباً ما يكون مرتبطاً بمصالح خارجية، في ظل واقع يفرض القبول بالشروط الدولية. العراق مثال حي على هذا التوجه، حيث يبدو أن الانخراط في مسار “الشرق الأوسط الجديد” أصبح جزءاً من معادلة سياسية معقدة يتداخل فيه المحلي بالدولي، خصوصاً مع المباركة الأمريكية لأي قيادة تتولى السلطة .
ما يجري حالياً ليس وليد اللحظة، بل مخطط له منذ عقود. تصريحات مثل تلك التي يطلقها رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي حول ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، تبدو كجزء من استراتيجية واضحة. الهدف، وفق التحليل، ليس فقط إضعاف المقاومة اللبنانية، وإنما تحويل حزب الله إلى كيان سياسي بحت، منزوع السلاح، وهو مطلب أمريكي إسرائيلي مدعوم من عدة دول عربية مثل السعودية والإمارات ومصر. هذه التحركات ليست عشوائية، بل تمت بدقة وصمت ودهاء على مدى عشرين عاماً. من التفجيرات التي طالت قيادات المقاومة، إلى العمليات الاستخباراتية التي استهدفت القدرات الصاروخية، كان الهدف تقويض قدرة الحزب على الردع. وعلى الرغم من هذه الضربات الموجعة، فإن المقاومة أثبتت مراراً قدرتها على الصمود واستيعاب التحديات . من بين الحقائق التي لا يمكن إنكارها، أن المقاومة ارتكبت أخطاءً استراتيجية، منها سوء تقدير طبيعة الحرب المقبلة. كانت الاستعدادات مبنية على فرضية هجوم جوي وبري تقليدي، لكن إسرائيل فاجأت الحزب بضربات نوعية، أبرزها تفجير الهواتف ومواقع القيادة، مما تسبب في خسائر كبيرة. هذا الأمر كشف أن المعركة ليست فقط في ميادين القتال، بل أيضاً في التكنولوجيا والاستخبارات . ومع ذلك، فإن الحديث عن الهزيمة ليس منطقياً. فالصمود أمام عدو مدجج بالسلاح، مدعوماً بتحالفات دولية وإقليمية، يعد بحد ذاته إنجازاً. النصر الحقيقي لا يُقاس بتحقيق أهداف العدو، بل بإفشالها، وهذا ما نجحت فيه المقاومة في العديد من المحطات . في ظل هذا المشهد، يواجه لبنان تحديات هائلة. الأزمة الاقتصادية الخانقة، والانقسام السياسي الحاد، يزيدان من الضغوط على المقاومة. الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل أصبحا حائط صد، بينما يحاول الحزب التكيف مع واقع جديد يفرض عليه التحلي بالصبر وإعادة تقييم خياراته . الدولة اللبنانية تبدو رهينة لإملاءات خارجية، حيث تمثل الولايات المتحدة والسعودية ودول الخليج جزءاً من معادلة الضغوط، بينما تسعى إيران للبقاء في الظل، تفادياً لتصعيد مباشر. السيناريو القادم يحمل احتمالات مفتوحة. المقاومة بحاجة إلى وقت لترميم قدراتها وإعادة تقييم استراتيجياتها. إسرائيل ومن يدعمها يدركون أن أي مواجهة قادمة لن تكون كالسابق. ستكون حرباً شاملة، لا تُبقي ولا تذر . في ظل هذه التحديات، المطلوب ليس الخطابات والشعارات، بل التخطيط العلمي والتحليل الدقيق. التاريخ علمنا أن النصر الحقيقي يُبنى على المعرفة والاستعداد، لا على التمنيات. الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة، والصراع لم ينتهِ بعد، بل يأخذ أشكالًا أكثر تعقيدًا، حيث الوقت وحده سيحدد مآلاته .