آخر الأخبار
الرئيسية

سن التقاعد في العراق: تخبطات التشريعات وتحديات العدالة

كتب رياض الفرطوسي
يواجه العراق اليوم جدلًا مستمراً حول سن الإحالة إلى التقاعد، وهو جدل يعكس تخبطاً واضحاً في التشريعات التي يقرها مجلس النواب. فقد أُقر تعديل قانون التقاعد الموحد عام 2019 لتقليص السن التقاعدي من 63 إلى 60 عاماً، ثم طُرحت مقترحات لإعادة السن إلى 63 عاماً. هذا التخبط في القرارات يثير تساؤلات حول جدية التخطيط التشريعي ومدى مراعاة مصلحة المواطن الذي يُفترض أن يكون المستفيد الأول من هذه القوانين . إن تعديل سن التقاعد في 2019 إلى 60 عاماً كان نتيجة لضغوط شعبية في ظل موجة احتجاجات شهدها العراق، لكن القرار لم يأتِ مدروساً، مما أدى إلى إفراغ مؤسسات الدولة من الكوادر ذات الخبرة، لا سيما في قطاعات حساسة مثل التعليم. وبعد مرور بضع سنوات، تتجه اللجنة المالية في مجلس النواب اليوم نحو تعديل جديد يعيد سن التقاعد إلى 63 عاماً .هذا التخبط يبرز مشكلة جوهرية في آلية اتخاذ القرارات التشريعية. فالقرارات تبدو غير مبنية على دراسات حقيقية لاحتياجات المجتمع أو لتأثيراتها بعيدة المدى. بدلاً من ذلك، تبدو وكأنها استجابة آنية لضغوط سياسية أو شعبية، دون مراعاة للتوازن بين احتياجات الشباب الباحث عن فرص عمل وخبرة كبار الموظفين . يتطلب تحديد سن التقاعد النظر إلى عوامل متعددة، منها الوضع الاقتصادي، وحجم البطالة بين الشباب، واحتياجات الدولة من الكفاءات والخبرات، وقدرة المؤسسات على استيعاب الدماء الجديدة. فعلى سبيل المثال، الموظفون الذين يبلغون سن الخمسين وما فوق قد يواجهون صعوبات بدنية أو نفسية في أداء وظائفهم بفعالية. لكن في المقابل، هناك اختصاصات نادرة تتطلب استمرار بعض الموظفين لفترة أطول لضمان استمرارية الأداء المؤسسي . لذلك، قد يكون الحل الأمثل هو تشكيل لجنة متخصصة من الإداريين الكفوئين، تقوم بتقييم الموظفين وفق معايير موضوعية. هذه اللجنة ستحدد ما إذا كان الموظف يطور نفسه ويحدث طريقة عمله وتقنياته ومهاراته بما يواكب العصر، أو ما إذا كان تقليدياً وكلاسيكياً بعيداً عن التحديث. هذا الإجراء يضمن استمرار الكفاءات المنتجة فقط، مع فتح المجال أمام الشباب للحصول على فرصهم . أحد التحديات الكبيرة التي يطرحها رفع سن التقاعد هو تأخير فتح المجال أمام الشباب لدخول سوق العمل. إذ أن بقاء الموظفين لفترات طويلة في وظائفهم يساهم في تكريس “الكلاسيكية الوظيفية” ويقلل من فرص التجديد والإبداع في المؤسسات الحكومية . ما الحل ؟ يكمن الحل في إيجاد توازن بين تخفيض سن التقاعد لإتاحة الفرصة للشباب وبين استثناء ذوي الخبرة والكفاءات النادرة من هذه القاعدة. كما أن أي تعديل على قانون التقاعد يجب أن يكون مدروساً بشكل جيد، معتمداً على بيانات وتحليلات لتأثيراته على الاقتصاد والمجتمع . التخبط في تشريعات سن التقاعد في العراق يعكس غياب رؤية واضحة ومستدامة لإدارة الموارد البشرية في الدولة. المطلوب ليس فقط إعادة النظر في السن التقاعدي، بل وضع استراتيجية شاملة تحقق العدالة بين الأجيال، وتوازن بين احتياجات السوق، وتراعي مصلحة الشعب الذي يعد صاحب القرار الأول والأخير في اختيار من يمثله في مجلس النواب.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
أفتح الدردشة
اهلا بك في وكالة الراصد نيوز24
كيف يمكنني مساعدتك؟