حكايات قديمة / العمة ، النخلة ….

حكايات قديمة / العمة ، النخلة ….
ناظم عبدالوهاب المناصير…
أعود مرة أخرى لحكايتي عن النخلة … حكايتها ليس لهــا انتهــاء ، أنهــا خرجت بكل عنفوانهــا من عمق تأريخ متأصل بالقدم ، ومازالت وريثــة الأرض ،
مبشرة ً لكونٍ عظيم خلقه الله تعالى في ستة أيام ( هو الذي خلق السمواتِ والأرضَ
في ستة أيام ثمّ أستوى على العرش ) آية 4 سورة الواقعة .. فهي أعطت الثمر والدفء والظل والسكن والطعام لكل جائع ومحتاج ، جعلها الله أليفـة للإنسان
وصديقته أبـد الدهر .
منها أستطاعت المرأة الريفية أن تبدع وأن تقهر الطبيعة أمامها ، بعد أن ولد
فيها القدر الإنساني لتساعد نفسها وأخيها الإنسان في مواجهة الحياة بأستعداد ويقين
ملبيــة تحقيق بعض مطالبه وطموحاته … هبت من صحن دارها لتصنع آلات
بسيطة يدير بها شــأنه ، فراحت تفكر وتُبلى في مساعيها مما كشف الغطاء
الكبير عن صناعة يدوية بأستنفار وجهد وصبر .. صنعت المروحة اليدوية من الخوص ( المهفة)والسجاد الخوصي وسفرة الطعام والقفة الملونة والزنبيل والعلاقة والجلّة والرِّك والسرير الصيفي .. ففي صناعة المهفة أو المروحة اليدوية ، يتطلب في صناعتها معرفة ودقة ، حيث تقوم النسوة بصناعتها من خوص سعف النخيل ( القلبة ) وسط سعفات رأس النخلة ، بعد قصِّ هذه السعفات يقمن بوضعها تحت أشعة الشمس حتى تكون جافة ويابسة ومن ثم يُخرط الخوص من السعفة ، ويقمن بعـد ذلك بعملية تلوينه بألوان ( الأحمر / الأخضر / البرتقالي / الأزرق … ) تشترى الألوان من محل العطار … يوضع الخوص وبكميات تملأ الطنجرة ( صفرية ) وفيها الماء مع مزج الصبغ على النار لحد ما يغلي وفي كل مرة يتبدل الماء بأستخدام لون آخر ، إلى أن ينتهي صبغ الخوص بأجمعه وبعدد من الألوان
الجميلة .
تقوم النساء بعملية سفِّ الخوص على شكل مرتب من البداية فيتشابك الخوص
حتى تنتهي المرأة من عملها .. بعضهن يقمن رسم لفظ الجلالة أو أسم محمد أو
اسم علي .. أو رسم تفاحة أو برتقالة حتى بيت شعر قصير ..
ــــ كان لي الدور المهم في رسم بعض الصور والأسماء على ورق من خلال
تحديد الخطوط لجارتنا ، كوني أجيد الرسم منذ صغري ..
ـــ كنتُ أُقَيِّم عملهن الذي أحسبه عملاً فنياً رائعاً ..
تُسف نهاية المروحة بشكل دقيق كالقصيبة ، ومن ثمّ يُشرح لها ساق من جريد
السعف بطول ثلاثين سنتمتر وتوضع المهفة بين شقي الساق ويكبس عليه بواسطة
أستخدام ( المخيّط ) والخوص الملون ـــ طول المخيط الحديدي تقريباً عشرة سم ـــ
ـــ أما في حالة صناعة ( القفة) أو السلال والأطباق ، فتكون صناعتها من ساق عذق النخلة ( عسك ) الذي يُنقع في الماء لمدة معينة لغرض تسهيل عملية تشريحه
إلى شرائط يكبس عليها الخوص بواسطة أستخدام المخرز ( يشبه المخيط ) وهكذا
بالنسبة لصناعة الزنبيل والبلة والعلاكة وسرير النوم وسفرة الطعام ..ألخ …
ـــ هذه الصناعات تترك لدى النسوة ( حتى قسم من الرجال في صناعة الأحبال
من ليّف النخلة وغيرها من الأعمال ) عوائد مالية جيدة عن طريق بيع المنتوج
بواسطة دلالات لهذا الغرض ..
بالإضافة تقوم هناك صناعة ( ماء اللقاح ) يستخرج من تقطير أغلفة لقاح
نخل ( السعمران أو الخضراوي ) الذي يفيد صحة الإنسان ، فينظم الضغط
ويحمي الأمعاء من بعض الأمراض .. كما أنه ذو نكهة لطيفة ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــ ناظم عبدالوهاب المناصير
البصــــــــــــرة /العراق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد