الكتابة والترقيق
الكتابة والترقيق
ــــــــــــــــــــــــــ
بعد اطلاعه على ماكتبت إعترض صديقي الأديب , على عبارة عابرة جاء فيها ( ولاية كارولاينا التابعة للولايات المتحدة الأميركية ) , معربا لي عن رأيه بـإبدالها لتصبح ولاية كارولاينا الأميركية بديلا عما ذكرت , فـإن فيها إختصارا كبيرا ومفهوما واحدا لجملة طويلة ليس لها مبرر لذكرها بتلك الصيغة ولتبدو تلك العبارة أكثر عمقا في التعبير والإختزال , حينها أدركت الصواب وعملت على ما ارتأى صديقي الأديب وأبدلتها بما يتوافق مع ما أبداه من ملاحظة سديدة وجديرة بالإهتمام , ولكن وأنا استرجع ذكرياتي عندما كنا في الخدمة العسكرية واشتراكنا بالدورات , إذ كثيرا ما كنا نرى إشارة بالخط الأحمر تحت كلمات مؤشر عليها بالأحرف ( واص ) من قبل المصحح عند كتابتنا لورقة الخدمة او بحث ما او الأطروحة النهائية للدورة , وهذه الأحرف مختصر لثلاث كلمات وتعني ( واجبات أركان صغرى ) , والتي يستدل منها أن تلك الكلمة زائدة وليس لها من داع لذكرها , إذ أن في حالة حذفها فـإن ترابط الجملة والمعنى لايتغير ويبقى كما هو عليه , فما الداعي من ذكر كلمات زائدة ليس لها من داع ؟ ولكننا كثيرا مانجد مثل هذه الأمور في الكتابات المختلفة , ففي معرض تصفحنا لكتاب ما أو لصحيفة معينة , نرى مثل هذه الإشكاليات .. فهذا يذكر عبارة .. هيأة الأمم المتحدة في نيويورك .. أليس من الأولى كتابتها بـ هيأة الأمم المتحدة فقط ؟.. وأن حرف الجر ( في ) وكلمة ( نيويورك ) ليس لها هنا من معنى لأنه لاتوجد هيأة أمم متحدة سواها , وأن تعريفها بهذا الشكل المختصر بات معروفا ومفهوما , وكذلك عند ذكرنا المحكمة الدولية , فليس هناك من داع لذكر ما بعدها كلمة لاهاي , لانها المحكمة الوحيدة وان التعريف بها بهذا الشكل المختصر , كفيل ان يتفهم القارى ؛ المقصود منها .وهذا غيض من فيض , ولم يقتصر ذلك على مانقرأه في الصحف والمجلات والكتب , بل تعداه الى لوحات الدلالة أيضا , وانت ذاهب إلى المطار , تلاحظ هناك قطع الدلالة المنتشرة في الطريق اليه عبارة ( مطار البصرة الدولي ) هنا نقف ونتأمل العنوان ونتساءل .. أن مايهم المسافر هو المطار المدني وليس المطارات العسكرية , وكما تعلمنا في المدارس وفي درس قواعد اللغة العربية من صيغ التعريف ؛ المعرف بأل .. وطالما أنه المطار المدني الوحيد فليس هناك من داع من ذكر كلمة البصرة , وكذلك أن المسافر لايهمه إن كان المطار دوليا أو محليا لأنه يبقى المطار مطارا وحيدا ليس له ثان , إذن عند ذكر كلمة المطار فقط فأنها كاملة المفهوم والإستدلال ، فيها من الأختزال والمعنى الكامل ما يفي بالغرض الذي وضعت من أجله , إلا اذا ما كان هناك مطارا آخر له إسم آخر , هنا يكون الأمر أعتيادي في ذكر إسم المطار, وهنا يحضرني مشهد حدث أمامي عندما كنت أقف عند وكيل للأدوات الإحتياطية لسيارات التويوتا نوع كورولا , إذ جاء أحدهم يسأل الوكيل سؤالا فيه من الطرافة مافيه , إذ قال .. عندك ( بگ لايت ) أيمن خلفي؟ .. هنا خالجتني مشاعري بابتسامة وأنا أقول له .. وهل يوجد ( بگ لايت ) أمامي ؟ فأنتبه علي ّ مبتسما وقائلا .. لك الحق في ذلك .. هنا كانت كلمة خلفي ليس مبررا لذكرها وكانت زائدة , وإذا ما انتقلنا إلى أمور أخرى نجد أنفسنا في محل أضحوكة من أمرنا , فهذا أرسل صورته إلى أهلة وهو في سفر خارج العراق وهو يقف إلى جانب فيل وقد وضع على صورته سهما مذيلا تلك الصورة بأنه يقف الى جانب الفيل مبينا ان السهم يشير إلى ذاته , فهل هذا من المعقول بشيء , وهل أن ذويه لا يعرفون أو يميزون ابنهم من الفيل .. قد تبدو هذه الحالة نكتة مصطنعة ولكنها حقيقية بتفاصيلها كافة , ولم نتوقف عند هذا الحد اذا ماتطرقنا إلى الدوائر الرسمية أو الأهلية , وأنت تدخل مكتب مدير الفرع للشركة الفلانية فـإذا بك في مواجه المدير وقد وضع امامه لوحة تتصدر الطاولة التي امامه وقد كتب عليها .. فلان ابن فلان مدير الفرع .. أليس ذلك مضحكا ومثار سخرية ؟ لا لشيء وإنما لسبب بسيط هو أن هذا الفرع له مدير واحد معرف من قبل الجميع وكذلك الغرفة المخصصة للمدير فما الداعي الى ذكر الإسم والمنصب على تلك اللوحة وهي تتصدر الطاولة ؟ مع العلم ان الأمر محسوم ومعروف من أن الجالس في هذه الغرفة هو المدير وبالتأكيد اسمه معرف للجميع , انها زيادات كتابية ليس لها من مبرر , جعل الله الزيادة في ارزاقكم واعماركم .
ســــــــــعد عبدالوهاب طه