العثور على الذات الحقيقية
كتبت نجلاء يعقوب
إذا لم تفكِّر في حقيقتك من الداخل، فمن المُحتمل أنَّك أصبحت محدوداً بهوياتك؛ إذ يعدُّ الناس أنفسهم يمثِّلون دوراً معيناً، كصديقٍ، أو شريكٍ، أو موظفٍ، أو ابنٍ، أو ابنة، ويقضي بعضهم حياتهم بأكملها في بناء شخصياتهم المتعلقة بهذه الهويات، فإذا سُلبت منهم، يضلُّون الطريق بسبب قلَّة وعيهم بحقيقتهم، فهؤلاء الأشخاص غير قادرين على التعبير عن رؤيتهم للأمور أو عن أهدافهم أو معتقداتهم، تعبيراً أبعد ممَّا تفرضه عليهم هوياتهم.
على سبيل المثال، الشخص الذي يكرِّس حياته ليكون ابناً، يرى وجوده بالكامل مبنياً على هذا الأساس؛ إذ سيقضي كثيراً من الوقت مع والديه، يفعل أموراً من أجلهم، ويتخلَّى عن أمورٍ أخرى في حياته لإسعادهم إذا لزم الأمر، وحين يجب عليه اتخاذ قراراتٍ هامَّة، كتلكَ المتعلِّقة بمهنته أو شريك حياته، سيحرص على الحصول على موافقتهم قبل اتخاذ أي إجراء بشأن ذلك، فهما محور حياته.
لكنَّ ذاته الحقيقية هي أكثر من مجرد كونه ابناً لوالديه، فإذا رحل والداه عن هذه الحياة، ستكون خسارته فادحة؛ إذ ستبدأ الأمور بالخروج عن السيطرة بعد أن اختفى الأساس الذي كان يبني حياته عليه، والأمر يشبه اختفاء رأس زهرة عباد الشمس، إذ تتبعثر جميع البتلات لغياب ما يربطها معاً، فعندما يزداد ارتباطك بأيٍّ من هوياتك ارتباطاً مفرطاً، فإنَّك تُعرِّض نفسك لخطر حدوث أزمة هوية، عند انتزاع هذا الدور منك.
أنا هنا لا أقول إنَّ كونك ابناً أو أباً صالحاً هو أمرٌ سيِّئ، ما أقوله هو إنَّنا نحتاج إلى معرفة حقيقتنا من الداخل، مع الالتزام بأدوارِنا، وإدراك أنَّها امتدادٌ لحقيقتِنا.
لذا من الهام أن تجدَ ذاتك الحقيقة، فحياتك ملكك أنت، إذا لم تكن على اتصال بحقيقتك، فأنت على الأرجح تعيش حياتك من أجل الآخرين، فتسعى إلى تحقيق أهداف الآخرين، والارتقاء إلى مستوى توقعاتهم، بدلاً من تحقيق ما تريده أنت بالفعل، فمعرفة ذاتك الحقيقية، هي الخطوة الأولى لعيش حياة واعيةٍ من صنعك أنت